عزل مصر
وضعت الادارة الامريكية بشخص رئيسها أن مصر لن تدخل المعركة .. وهذا أمر طبيعي لما بين البلدين من ترابط خاصة في خدمات ما يسمى بالحرب على الارهاب .. ولكنها وضعت في اعتبارها ان الشعب المصري الذي قرأت تاريخه جيدا لن يسكت على ما سوف تنفذه الادارة .. وقد اولت هذا الامر مزيدا من الاهتمام في السنوات القليلة الماضية بان قامت بدعم المنظمات المدنية التي ترى انها يمكن ان تساعدها في تسكين الاوضاع الشعبية المصرية اذا ما نشب القتال .. ودفعت في سبيل ذلك ملايين الدولارات التي يرى الديمقراطيون انها تذهب هدرا .. فلم تستطع امريكا خلال تلك السنوات من أن تثبت في عقل الشعب المصري ان تلك المنظمات هي منظمات مدنية تهدف الى تحسين الاحوال الاقتصادية والمدنية والحقوقية للشعب المصري .. وتعرف جيدا ان المصريين قد رفضوها جملة وتفصيلا .. اكثر من ذلك اتهمت( بضم التاء) تلك المنظمات بالعمل كطابور خامس في داخل المجتمع المصري ..
ورغم ان الادارة الامريكية قد قلصت المساعدات العسكرية لمصر حسب اتفاقية كامب ديفيد وزادتها لاسرائيل .. فانها تعول كثيرا على الشرطة المصرية وقوات الامن المركزي الذي يتجاوز عدده ثلاثمائة الف مقاتل مدرب .. على تسكين الاوضاع المصرية بالقمع والقهر والقوة .. خاصة وان الانباء التي تسربت من الادارة الامريكية تقول بان تمويل تلك القوات تسليحا ولوجستيا ينبع من الادارة الامريكية .. ولا تدفع الحكومة المصرية مليما واحدا لمصاريف تلك القوات. وعموما فان الادارة الامريكية ترى ان هناك بعض المصاعب يمكن ان تحدث في مصر .. لكنها تعول على الرشوة التي يمكن ان تقدمها للنظام الذي يقف بكل قوته الى جانب ( الحرب على الارهاب ) في وقت اصبحت فيه مصر هادئة ولا وجود لخلايا ارهابية فيها ..
توسيع الهوة بين السنة والشيعة :
ما يجري في العراق صورة مصغرة عما تخطط له الادارة الامريكية .. فقد بدأت التجربة هناك .. أملا في الامتداد الى ايران وباكستان والهند ولبنان والسعودية والبحرين وبعض مناطق الخليج العربي واليمن وكل الامكنة التي يتواجد فيها الشيعة .. ولقد شاركت اسرائيل مشاركة فعلية في تأجيج الامر .. فقد دلت التحريات التي قامت بها الحكومة العراقية وجهات عربية اخرى ومن ضمنها سوريا بان تفجير الامامين العسكريين تم بمعرفة الموساد الاسرائيلي .. وبمعرفة جهات كردية وشيعية تأمل في دولة تنفصل فيها عن السنة في العراق . وما مشروع تقسيم العراق الذي صدر مؤخرا وصادق عليه مجلس الشيوخ الامريكي او كما قيل هو أمر غير ملزم .. الا توطئة لاصطناع دول طوائف متصارعة يتقاتل فيها السنة والشيعه .. والرابح الوحيد من القتال هم الاسرائيليون والامريكيون معا ..
تقسيم العراق :
تعرف الادارة الامريكية بان امر تقسيم العراق مرفوض من الشعب العراقي بكامله .. وليس الشعب العراقي فحسب بل يمتد ذلك ليشمل كل الشعوب العربية وحتى الانظمة التي تخاف ان يأتي الدور عليها .. ولكنها تهدف من وراء التقسيم الى تنفيذ أمر واحد قد يغير المعادلة في منطقة الشرق الاوسط .. وهو انشاء دولة كردية تلتقي فيها مصالحها مع الدولة الاسرائيلية .. وتطبق فيها نظرية قيام الدولة الاسرائيلية بمعنى عدد قليل من السكان مسلح تسليحا جيدا بتكنولوجيا حديثة متقدمة .. يمكن ان تظل شوكة في حلق الشرق العربي ويمتد في تهديده الى ايران وتركيا اذا ما حادت الاخيرة عن الطريق الامريكي ..
ولم يغب عن ذهن الادارة الامريكية .. ان أمر تقسيم العراق وانشاء ثلاث دول فيه مع دعم استقرار تلك الدول من خلال الدعم الامريكي .. يمكن ان ينسحب على باقي الدول العربية في المنطقة .. والتي تعاني من حكم دكتاتوري في معظمها .. خاصة بعد ان تقدم امريكا كل الدعم المباشر وغير المباشر لكي تعيش هذه الدول في جو من الاستقرار حتى لو كان ذلك بالقوة .. وبذا تتحول المنطقة بكاملها الى وضع يخدم المصالح البترولية الامريكية لعقود قادمة ..
***
الخلاصة
كانت الخطة الامريكية في مجملها تتكون من ثلاث مراحل وضعت منذ تسلم الرئيس الامريكي سدة الحكم وسبقت احداث الحادي عشر من سبتمبر .. وقد جاءت الاحداث في ذلك الشهر لكي تؤكد على وجوب تنفيذها .. فكانت الخطة الاولى اتهام العراق بامتلاكه الذرة واسلحة الدمار الشامل .. اما الثانية فكانت الهجوم على العراق وانتشار الفوضى فيه .. اما الثالثة فقد وضعت خدمة لاسرائيل في المنطقة .. وهي الخطة التي تحاول الادارة الامريكية ان تنشرها رغما عن تكاليفها الباهظة بشريا وماديا وعسكريا .. الا انها ( في حال تنفيذها ) سوف تكرس وجود اسرائيل لقرن من الزمان على الاقل .. في وقت يضعف فيه العالم العربي فلا يقوى على الممانعة ..
لكن المتتبع لما يجري في العراق .. وما يعتور المنطقة العربية من غليان ضد الخطط الامريكية .. لم تضعه الادارة الامريكية في حساباتها اللهم الا النزر اليسير .. فالاوضاع في العراق لا ولم تسمح .. والاوضاع الشعبية في الوطن العربي يمكن ان تقلب المعادله .. ومن هنا .. فان هذه الخطة التي يعتبرها بعض الديمقراطيين خيالية .. يمكن ان تنجح اذا ما ظلت الاوضاع العربية الداخلية على حالها دون تغيير ..
ونسأل الله ان يجنب الوطن الذي سالت الدماء على جنباته انهارا لكي يظل منارة في هذا العام ..