في مرحلة اللامشروع – فهمي هويدي
آخر ما كان يخطر على البال أن
يدعو الرئيس الروسي إلى إنشاء قناة تلفزيونية تتولى
تقديم الإسلام وشرحه لمسلمي الاتحاد الروسي (نحو 25 مليونا)، لكن هذا
ما جاء على لسان الرئيس ديمتري ميدفيديف أثناء اجتماع عقده لمناقشة أوضاع
المؤسسات والمنظمات الإسلامية في منطقة القوقاز، التي تشهد نموا لجماعات
التطرف والعنف. وبثت وكالة أنباء «نوفوستي» الخبر في تقرير لها عن
اللقاء يوم 28 أغسطس الماضي.
مفهوم أن الرجل لم يلجأ إلى ذلك
إلا لمحاولة حصار وإبطال مفعول أنشطة جماعات التطرّف والعنف التي نشطت
خلال السنوات الأخيرة في أوساط المسلمين، خصوصا في منطقة القوقاز، وبعد أن
فشلت الحملات والضربات العسكرية القاسية التي وُجهت إلى تلك الجماعات، في
الشيشان وأنجوشيا وداغستان، لم يعد هناك حل سوى اللجوء إلى الأساليب
الدعوية والتربوية.
فكرة التلفزيون الإسلامي جاءت بعد
إطلاق القناة الروسية الموجهة إلى العالم العربي، التي لا يخفى
هدفها السياسي الذي يسعى إلى كسب ود شعوب هذه المنطقة، بما يخدم المصالح
المتبادلة بين الطرفين.
وبعد القناة العربية ـ الروسية، أطلقت القناة الصينية بالعربية أيضا، وتم ذلك بعد انفجار
قضية مسلمي تركستان الشرقية، إثر
الصدامات الدامية بين مسلمي الأويجور وبين عناصر قومية الهان، التي قامت
فيها الشرطة بقمع المسلمين وسحق تمردهم. وهو ما أثر على صورة الصين في
العالمين الإسلامي والعربي، الذي يعد من أكبر الأسواق المستوردة للبضائع
الصينية. وسعت بكين إلى استخدام التلفزيون لتحسين الصورة وإزالة التشوهات
التي لحقت بها،
في ذات الوقت أنشأت فرنسا قناة خاطبت العالمين العربي والإسلامي. وأطلقت الـ«B.B.C» البريطانية بثها التلفزيوني العربي ليضاف إلى بثها
الإذاعي الشهير، وأقدمت الولايات المتحدة على تأسيس قناة «الحرة»،
وتعد تركيا الآن لإطلاق قناة عربية، إزاء ذلك بدا واضحا أن التلفزيون أصبح
أهم وسائل الاتصال التي تستخدم في مخاطبة العرب والمسلمين، فضلا عن أنه
أصبح الآن أهم مؤثر في إدراك الناس قاطبة.
لقد لجأت روسيا إلى التلفزيون لكي
تحارب التطرف والعنف في الداخل، ولكي تمد جسورها مع العالمين العربي
والإسلامي، وهذا الهدف الأخير التقت عليه بقية الدول التي تنافست فيما
بينها على جمهورنا، وتلك كلها جهود مشروعة، تخدم استراتيجيات وثيقة الصلة
بالمصالح العليا لكل بلد.
هذه الخلفية تستدعي السؤال التالي:
في أي شيء يوظف التلفزيون في مصر والعالم العربي؟
وما الهدف الاستراتيجي المراد
تحقيقه من خلال بثه؟
أدري أن هناك محطات تلفزيونية
خاضعة لتوجيه الحكومات وإشرافها، وهناك محطات أخرى مستقلة بصورة أو
بأخرى، وأفهم أن يكون الربح هو الهدف الأول للمحطات الأخيرة. وأخرج من
الحسبان المحطات الدعوية الإسلامية والمسيحية، لأنها تنطق باسم مشروعات خاصة
بأولئك الدعاة، من ثم فإن السؤال يصبح موجّها إلى التلفزيونات التي
تملكها الحكومات وتوجهها سياسيا.
إجابتي فيما يتعلق بالتلفزيون
المصري بقنواته العشرين، أنه يخدم هدفين أساسيين هما:
خدمة النظام وتسويق شخوصه وبيان
إنجازاته،
والتنافس مع القنوات الخاصة في التسلية والترويح وإشغال الناس بالمسلسلات والبرامج التافهة حتى فجر كل يوم.
إذا بحثت عن «استراتيجية» يهتدي
بها التلفزيون في سياسته، وعن دور يؤديه سواء في
إعداد المواطن الصالح أو على الصعيدين العربي والإسلامي. فإنك لن تعدم
مسؤولا يبادلك ابتسامة ساخرة ويسألك عن علاقة التلفزيون بالإستراتيجية.
أما الفاهم و«المتنور» من أولئك المسؤولين، فسيقول لك إن ما يقدمه التلفزيون فعلا هو التعبير الأمين
عن الاستراتيجية التي يلتزم بها.
لا أستغرب ردا من هذا القبيل، ذلك
أن الاستراتيجية تفترض أن يكون للبلد «مشروعا» طموحا يتطلع إليه. ومادمنا
في مرحلة اللامشروع فلا غرابة في أن ينعكس ذلك على مختلف التوجهات
السياسية والإعلامية، والتلفزيون مرآة جيدة تعكسها طول الوقت.
............ ......... ......... ........