وللحـب وجـه آخـر
يبدون مشرقين، مقبلين على الحياة، تميزهم ابتسامة ودودة دافئة، وميل إلى التسامح والمرونة في التعامل، إضافة إلى أناقة خاصة في المظهر وثقة استثنائية بالنفس.. ولمعة ساحرة في العيون
إنهم من وجدوا بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة
إنّهم من يعيش حالة ما أسماها محمود درويش أول الحب
فالحب في أوله، يهب كل ما سبق لأصحابه، إذ يمسك بأيديهم برفق إلى عوالم من الألق والدهشة، ويحيون لحظاتهم وهو يرون في الآخر الملاذ والرفقة والنجاة من حياة القحط واليباس، ويهيمون بين تلال الحلم الوردي والوعد الأخضر
*********
لكن الأمور قلما تسير بهذه الشاعرية، وعالم الروحانيات المزعوم أعلاه سرعان ما يلفظهم في أغلب الأحيان إلى الواقع الذي تنصّلوا منه أو حاولوا
فبعض قصص الحب تشهد نهاية حزينة أو درامية أو بشكل سخيف لم يكن ليخطر على بال أي من طرفي الحكاية! وقلة هم الذين تجرأوا على تعرية التجربة من ألوانها الزاهية وحلّلوها بأسلوب نفسي علمي مقنع
فالأعراض السابقة كلّها على جاذبيتها، لا تزيد على حقيقة بسيطة واحدة مفادها بأننا حين نحب أو نتخيل ذلك، فلأن الآخر قد قرأ فينا، في الشكل أو المضمون، ما لا كنا ندري بوجوده، وأسمعنا كلمات وعبارات مما لم نكن نسمعه في حياتنا اليومية الواقعية، وبالتالي جعلنا نقع في حب أنفسنا أولا وتذوّق جمالياتنا الذاتية
لذلك، فليس غريباً أن نشعر بالحاجة الدائمة للآخر، لأنه الحافز والمغذي الرئيسي لتلك المشاعر.. مشاعرنا تجاه أنفسنا! وكل من يتعذب ويتألم ويكتوي على فقدان الآخر، فهو إنما يعاني ما يعانيه لنضوب المعين الذي كان يستمد منه الثقة والقوة وأدوات المصالحة الدائمة مع الذات
وهو حين يتعمد أن يبدو أمام الشريك في أفضل حالاته، فهو لا شعورياً، يسعى لأن يبدو كذلك في نظر نفسه أولاً
قيل لأعرابي: سارع وانقذ ابنك يا أبا فلان.. لقد عشق! فقال: اتركوه، فقد لَطُفَ ونَظُفَ وظَرُفَ
ولعل ذلك الأعرابي البسيط، قد اختصر الحكاية كلها بسليقته النقية
*********
وقد يتساءل أخي القارىء هنا: إذن كيف نبرر قصص الحب الناجحة التي استمرت لسنوات دون خيبات؟
فأقول: ومن قال إنها استمرت؟ كل ما في الأمر أن العلاقة تحولت إلى عادة وألفة وصداقة ومحبة، علاقة صارت صالحة لأن تعيش على أرض الواقع وتترك عالم الخيال والأوهام والرغبات العابرة
وقد يتساءل آخر: وما الضير في أن نعيش وهماً مؤقتاً طالما أن عوائده بذلك الجمال؟
وأرد على السؤال بآخر: ولماذا لا نتذوق جمالياتنا نحن بأنفسنا ونعقد مصالحة مع ذواتنا، ونحب بأعيننا نحن التي لا تُخدع.. نحب أنفسنا بعيوبها ومزاياها
وصدقوني بأن من يحاول سيبدو للآخرين عاشقاً مثله مثل الفئة التي وصفتها في بداية المقال.. لكن بأقدام تمشي على الأرض وتتنفس الهواء الطبيعي.. وليست مثل تلك الهائمة في الفضاء السابحة بين الغيوم والأغنيات.. المعرضة للهلاك إما بالسقوط المدوي.. أو بالعدم والفناء داخل الثقوب السوداء التي يعرفها العشاق السابقون جيداً