مع أنني لا أحب «البالوظة»، إلا أن التعبير الذي استخدمه الدكتور علي الدين هلال، أمين الإعلام في الحزب الوطني، في وصف حال مصر أعجبني.. فقد قال في حوار أجرته معه صحيفة «الميدان»: مصر عاملة زي البالوظة في حالة رجرجة.
الله.. الله يا دكتور هلال، ما هذه العبقرية.. فأنت في هذه العبارة الموجزة شخصت حال مصر.
أن يعلن رئيس الدولة أن سيادته مع حرية الصحافة، وأن إيمانه بها لا يتزعزع، ويعد بإلغاء الحبس في قضايا النشر، ثم لا تنفذ أجهزة الدولة هذا الوعد، وتصدر الأحكام بحبس الصحفيين، لأنهم استعملوا حقهم المشروع في نقد رموز الحزب الحاكم.
بماذ نسمي ذلك؟.. بالوظة!
وأن يعلن رئيس الوزراء أن الحكومة اتفقت مع التجار علي ضبط الأسعار في شهر رمضان، وأن معدل النمو الاقتصادي طبقا لتقديرات بيوت الخبرة العالمية، وصل إلي أعلي معدل له في العشرين سنة الماضية.. ثم يحدث الارتفاع بشكل عشوائي في جميع السلع، والحكومة ليست لها السيطرة عليه.
بماذا نسمي ذلك؟.. بالوظة!
وأن يعلن وزير الداخلية أن تعليماته إلي أجهزة الأمن هي احترام حقوق الإنسان، وحسن معاملة المواطنين، ثم تنشر يوميا أخبار عن سوء معاملة المواطنين، وتعذيب البعض في أقسام الشرطة، وإلقاء مواطن من فوق سطوح منزله، وعن تجاهل تنفيذ أحكام القضاء.
بماذا نسمي ذلك؟.. بالوظة!
وأن يرفض رئيس مجلس الشعب وصف أحد القضاة للبرلمان بأنه «منبطح»، ثم تكشف جلسات البرلمان والتشريعات الصادرة عنه، أنه لم يرفض أمرا واحدا للحكومة، وأن النواب لا يمارسون حقهم الدستوري في التشريع، ويقتصر دورهم علي تلقي مشروعات القوانين من الحكومة، ولا يحق لهم إدخال أي تعديلات عليها.
بماذا نسمي ذلك؟.. بالوظة!
وأن يعيش الحزب الوطني وقياداته ورموزه في واد، وتعيش أحزاب المعارضة والمجتمع المدني كله في واد آخر، لا حوار بينهما، ولا استجابة لأي مطلب ترفعه المعارضة.
بماذا نسمي ذلك؟.. بالوظة!
وأن تستمر الحرب المستعرة بين الدولة والصحافة الخاصة، وبين القضاة ووزارة العدل وجماعة الإخوان والدولة، والشعب والحكومة.. إلي آخر الأزمات التي نعيشها.
بماذا نسمي ذلك؟.. بالوظة!
صدقت يا دكتور هلال.. البالوظة هي سيدة الموقف وهي السلعة الرائجة في الأسواق هذه الأيام، وحالة «الرجرجة» التي تعيشها مصر هي الوصف الدقيق والأمين لأحوال الحكم في مصر، وقد يدين المؤرخون بالفضل إلي الدكتور علي الدين هلال، في استعارة هذا الوصف منه، ويطلقون علي نظام الحكم الحالي بأنه عصر الدولة البالوظية!