أحبكِ .. رغم ما فيكِ
عمرو شعت :
رغم كل ما فيكِ ..زحام شوارعك .... فقر مساكنك .. شكوى أبنائك .. بطالة شبابك .. مظاهرات عمالك. ..عشوائية أرجائك.. بيروقراطية مكاتبك.. رغم السحابة السوداء .. وتلوث الماء ..وفساد الأقوياء ... وضعف الشرفاء .. رغم كل ما فيكِ لا أدرى لماذا أحبكِ؟! ..
لماذا يقشعر بدنى كلما سمعت كلمات " يا أحلى البلاد يا بلادى" وتكاد تدمع عينىّ كلما مرت على أذني نغمات "يا حبيبتى يا مصر" وأذوب فيكِ عشقاً حينما أردد ألحان "ما شربتش من نيلها" .. لا أدرى ما كل هذا الحماس الذى يوقد بداخلى وأنا أشجع فريقك القومى وأهتف عالياً مع كل عشاقك "مصر .. مصر" وكأنى أنادى على محبوبتى التى فقدتها منذ زمن بعيد وجمعتنا الصدفة بلا مواعيد .. أو أنادى على أمى لأرتمى فى حضنها الدافىء بعد طول سفر شاق ..
تحيرت فى أمرى كثيراً فرغم كل هذا الحب الذى بداخلى فإنكِ لا تسلمين كل يوم من شكواى ..وضجرى منكِ.. وتراودنى أفكار تدفعنى أن أبعد عنكِ .. باحثاً عن مكان أفضل .. عن هواء أنقى وماء أصفى .. وشوارع خالية من العشوائيات .. والاحتجاجات والاعتصامات وعصا الأمن المركزى المنهالة على القامات .. عن مكان يحترم المواطن ويقدر تعبه وكده .. وأبعد عن ضجيج شوارعكِ .. أبعد عن شكاوى الناس من ضيق ذات اليد والبطالة والفقر والمرض وسوء العلاج .. من شكاوى الثانوية العامة وبكاء طلابها وحوادث القطارات وحرائق المصانع .. .. أهرب من الصحف المعارضة وصراخها اليومى من الفساد واختلاط مياه الصرف بمياه الشرب .. أهرب من حكايات "الست الشمعة" التى تقطن فى حجرة تحت الأرض ومعاشها لا يتجاوز 50 جنيهاً فى الشهر.. أغرب عن وجه "عم عبده" الذي يعيش مع أسرته المكونة من 8 أشخاص في حجرة واحدة..
كلها مشاعر متداخلة فبالأمس وقفت هاتفاً "مصر .. مصر" تشجيعاً لمنتخبنا القومى واليوم أفكارى بالرحيل أقوى منى تقول لى بقوة اترك هذا البلد ولك أن تجرب مكاناً آخر.
ورحلت .. كنت أعد الساعات فى الطائرة حتى أصل إلى هذا العالم المثالى الذى أحلم به .. وأخيراً هبطت الطائرة .. لا أنكر أن المكان كان قرة عين لى .. وشعرت باتساع فى رئتى وكأنها تريد استنشاق أكبر قدر من الهواء النقى الذى يملأ أرجاء البلد.. ولا أدرى كيف اتسعت شهيتى للطعام إلى هذا الحد .. ويا لها من شوارع هادئة .. ومستوى صحى مرتفع وأناس يعيشون فى رخاء مادى .. ومناظر خلابة ..ونظام فى كل شىء .. لقد انتقلت إلى عالم آخر ..
ومضت الأيام التى ظننتها ستريحنى من مشاكل وطنى ولكن الحقيقة خالفت ظنى حتى أيقنت لماذا أحب "مصر"، لا أنكر نقاء الجو هناك لكنى افتقدت دفئه .. هذا الدفء الذى يملأ أرجاء بلدى بنكات وضحكات أصدقائى.. بلمة أسرتى على مائدة الإفطار فى رمضان .. بالفوانيس التى تضىء شوارعنا .. وتكالبنا على مسلسلات الدراما بعد قضاء صلاة المغرب ..هذا الدفء الذى يحيط مقاهى شوارعنا .. وسهر ليالينا .. .. وجموع أعيادنا .. وعيدية جداتنا التى لا تنقطع مهما طالت قامتنا وكبرت أعمارنا.
ولا أنكر هدوء الشوراع وقلة الصخب .. ولكن لم أر لمة الناس حولى حين تتعطل أو تصطدم سيارتى أو أضل طريقى.
ولم أجد شكوى من مرض وسوء علاج لكنى لم أصادف هذا الكم من الاتصالات والزيارات التى تلاحقنى اطمئناناً على حالتى حين ألزم الفراش.
ولم أر نماذج لـ"عم عبده" الذى يسكن فى حجرة واحدة هو و8 أفراد من أسرته لكنى لم أجد هناك هذا الكم من الإيمان الذى بات فى قلبه ليحمد الله على حاله ويستقبل قدره بكل الرضا قائلاً "ربنا كريم" رغم أحلك الظروف التى يعيش فيها ..أو أجد "لقمة" تكفى مثل هذه الأسرة بالرغم من الفقر المدقع الذى يعيشون فيه.
ولم أر مثالاً للست شمعة التى تتقاضى معاشاً قدره 50 جنيهاً فى الشهر "أقل من 10 دولارات" ولكنى أيضاً لم أجد هناك هذا الكم من تكاتف الناس لمساعدة المحتاج فى أزمته فى كل شارع وزقاق وحارة.. ورجعت لأعرف حقكِ ..
وأدرك لماذا أحبكِ رغم كل ما فيكِ.