اعتزال الإعلامي الأمريكي الكبير لاري كينج.. خبر تصدّر جميع وسائل الإعلام
المحلية والعالمية، ولاري كينج لمن لا يعرفه من أكبر الإعلاميين
الأمريكيين، وله برنامج شهير: "لاري كينج لايف" ظل يقدّمه طيلة الـ25 عامًا
الماضية على محطة CNN حيث سجّل "كينج" عبر برنامجه رقمًا قياسيًا في عدد
الحلقات وقوّتها والشخصيات التي حاورها عبر برنامجه، ووصل صيته إلى أن له
طائرة خاصة تقلّه من بيته إلى مقر عمله والعكس يوميًا، ويتقاضى 15 مليون
دولار سنويًا عن برنامجه.
وأعلن "كينج" في كافة وسائل الإعلام أنه
سينهي برنامجه بنهاية العالم الحالي؛ لأنه يريد أن يتفرغ لزوجته، ويلعب مع
أولاده بعيدًا عن متاعب العمل!! وبالطبع هي بالنسبة لنا أسباب ساذجة لا
يمكن لأحد من مسئولينا العظام أن يعقلها لترك هذا الجاه والعز والفخفخة!!!!
وكذلك
أعلنت الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري أيضًا إنهاءها البرنامج الأشهر
"أوبرا" الذي حقّق أرقامًا قياسية في نسب المشاهدة على مستوى العالم أجمع،
وعللت "وينفري" -منتجة البرنامج- قرارها بإيقاف البرنامج بالرغبة في التفرغ
لإطلاق قناتها التليفزيونية الخاصة "ذي أوبرا وينفرى نيتوورك" -حسب وسائل
الإعلام- وأكدت أنها لن تقدّم برامج عبر هذه القناة، وإنما ستعطي الفرصة
للشباب، وستدعمهم بإنتاج سلسلة من البرامج الجديدة والشيقة.
أثارت
هذه الأخبار لديّ شجونًا وشعرت بالحسرة على حال بلادي وحال الإعلاميين
والمسئولين والرياضيين وغيرهم ممن يتقلدون مناصب يأبون أن يتركوها قبل أن
تصعد أرواحهم إلى بارئها!!!
فتجد المسئول يعمل في منصب واتنين
وتلاتة، وتجده مستشاراً للهيئة الفلانية، وإعلامياً بالمحطة الإعلانية،
وكاتباً في أكثر من جريدة وموقع إلكتروني، ولو جمعت تلك المناصب التي
يشغلها وقيمة المبالغ التي يتقاضاها عن هذه الوظائف والمناصب وهو الذي تخطى
الخمسين أو الستين تجد أنها تصلح للقضاء على بطالة عشرين أو ثلاثين شابًا
ممن حفيت أرجلهم في البحث عن وظيفة محترمة تتناسب مع مؤهلاتهم وخبراتهم
وطموحاتهم.
للأسف لا أجد ثقافة الشبع في بلدنا.. فلم أسمع أن
مسئولاً أو إعلامياً اكتفى وشبع من المنصب والفلوس والنفوذ.. أو حتى أعطى
نفسه فرصة للاستمتاع بما جمعه من مجموعة الوظائف والمناصب التي يشغلها،
(قبل أن تصادَر من قِبل مباحث الأموال العامة!!).
لم أسمع من أي
مسئول (يصل ما يحصل عليه من رواتب ومكافآت إلى رقم + ست أصفار) أنه قرّر أن
يترك الفرصة للشباب، أو قرر إدخال دم جديد لمراكز صنع القرار، بل على
العكس يحاول أمثال هؤلاء إجهاض أي إبداع يقع تحت إيديهم؛ حتى لا يفقدوا
مناصبهم، وما وصلوا إليه وكأنه سيأخذ معه البكوية أو الباشوية أو حتى لقب
سيادة المعالي إلى القبر!!.. وسيقابل ربه باللقب!!.
والنماذج التي
ذكرتها بأعلى المقال هي نماذج ناجحة متألقة شهد لها الجميع بالنجاح
والتفوق، ولا وجه للمقارنة بينها وبين ما عندنا من الأساس، من مسئولين
متخبطين في قرارتهم، فاشلين في خططهم، متقاعسين عن أعمالهم (لا نعمّم
للإنصاف).
والرائع في الموضوع أنه على الرغم من صراخنا بالصحف
والمجلات والفضائيات والشوارع بأنهم فاشلون، ولا يصلحون، واستقيلوا يرحمكم
الله... إلخ من دعاوى تظهر في شكل مظاهرات وإضرابات واعتصامات على كافة
المستويات السياسية والاقتصادية.. إلخ يخرجون علينا بدم بارد وكأن شيئًا لم
يكن، وكأن سيادة المسئول حاصل لتوّه على جائزة نوبل، ويعلن عن إنجازاته
ونجاحاته التي من المؤكد أنها ترتدي "طاقية الإخفا" أو أننا قد أصابنا
العمى والطرش وانعدام الإحساس، فلم نلمس تلك الإنجازات العظيمة على أرض
الواقع.
فإذا كان الناجحون يكتفون ويشبعون ويستقيلون ويتنحّون، فما
بالنا بالفاشلين المتخبطين الجاهلين الفاسدين!!.
هل تكتفون
وتشبعون؟!!
لا أعتقد.