الإنترنت و الكوسة ,,!

الطبيعة اللامركزية للإنترنت كان من المفترض أن تعنى تكافؤ الفرص والتمكين للمواطنين "الرقميين" من جميع أنحاء العالم، و عدم وجود تحيز على أساس الموقع ... بمعنى انه لا يهم أين أنت طالما يمكنك الاتصال بالشبكة.
و بالرغم من هذا، يعطينا الواقع العملى صورة مخالفة لهذه الفرضية.
ان انتشار ظاهرة الويب 2.0 (الجيل الثانى للإنترنت) و الاعتماد على المستخدمين فى إدارة و تصميم محتوى الإنترنت هو الآن حقيقة واقعة.
هذا المفهوم زاد من لا مركزية الإنترنت و بالتالي زاد من حدة التناقض، حدث هذا عندما انتقلت السيطرة الى أيدى المستخدمين - الذين أصبحوا مقدمى الخدمة فى نفس الوقت - فأصبح بامكانهم تصميم المحتوى الخاص بهم، و ادارة أعمالهم الألكترونية.
مع تطور العصر الرقمى يمكن للمراقب عن قرب أن يدرك أن هناك نوع من الحتمية التكنولوجية. النموذج السائد فى استخدام الإنترنت – و خصوصا فى ظل الجيل التانى ويب 2.0 – و هو الذى يحافظ على المجانية.
هذا النموذج يضع أهمية كبيرة على "نسبة المشاهدة"، فهو يسمح لأصحاب الأعمال فى كل مكان فى العالم بداية بالمستخدمين العاديين كما ذكرنا سابقا وصولا الى شركات الاتصالات العملاقة، بتحويل عدد زوار الموقع الى نقود، عن طريق بيع مساحات إعلانية. و بموجب هذا تعتبر نسب المشاهدة مؤشرا على حجم الإيرادات، و على ذلك فأن أصحاب المواقع ليس عليهم سوى إبقاء إحصاءات المشاهدة عالية.
هذا النموذج السائد الذى بامكاننا أن نطلق عليه نموذج "وسائل الأعلام" أو "نمودخ الميديا"، يؤدى الى انخفاض حواجز الدخول الى السوق الألكترونية بالإضافة الى تعزيز المنافسة شبه الكاملة على الشبكة الأفتراضية، و التوجه نحو نمط لاستخدام و إدارة الإنترنت أقل مركزية.
الا ان المعركة لجذب حركة مرور الجمهور لا تسير على قدم المساواة، فإن السؤال الحاسم هو : من هو الفائز و من الذي يخسر؟
إن نظرة بسيطة على موقع alexa.com (أحد المواقع التى تظهر ترتيب المواقع الإلكترونية تبعاً لعدد زوارها) تأتي بالجواب.
نجد أن مواقع جوجل وياهو وفيس بوك، و ماى سبيس، و لايف كلها تتصدر السباق. فهم اللاعبون الرئيسيون على شبكة الانترنت الآن. و هذه المواقع تتصدر قائمة حركة المرور ، فهي تجذب غالبية كبيرة من المستخدمين من مختلف أنحاء العالم ، وبالتالي تجذب أكبر المعلنين.
لقد ضربت عائدات الإعلانات على الإنترنت فى الولايات المتحدة رقما قياسيا بلغ 23.4 مليار دولار في عام 2008 على الرغم من الأزمة المالية ، وفقا لمكتب الإعلانات التفاعلية وبرايس ووترهاوس كوبرز.
و من اللافت للنظر أن كل هؤلاء اللاعبين الكبار موجودين في منطقة جغرافية واحدة. فكلهم أمريكان، وجدوا أنفسهم فجأة حجر الزاوية في تجارة الانترنت. وبالتالي، فإن الحيز الأكبر من الانترنت اللامركزى "متمركز" داخل الولايات المتحدة الأمريكية و هذا هو التناقض!!!
علاوة على ذلك، فإن الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد الرقمي على ما هو عليه، ليست فقط بسبب استقطاب التطبيقات التفاعلية ... فالكابلات أيضا تلعب دورا لا يقل أهمية.
لو بحثنا بتعمق سنجد ان خريطة توزيع كابلات الانترنت البحرية تجعل الصورة أكثر وضوحا. فإن تركز حزم البيانات حول شواطئ الولايات المتحدة يخبرنا أين تذهب متصفحات الزائرين.
إن ألاف التيرابايت من البيانات الداخلة و الخارجة من الحدود الافتراضية للولايات المتحدة بينما تقرأ هذه السطور، تغذى أرباح شركات الإنترنت الأمريكية.
ولكن ماذا عن الجانب الآخر من القصة؟
في الواقع، قائمة أكبر 100 موقع على اليكسا، لا تقول شيئا عن أي مواقع من الشرق الأوسط أو أفريقيا. فعلى ما يبدو ليس هناك شيء مثير للاهتمام بما فيه الكفاية على هذا الجانب من البحر المتوسط لجذب متصفحات المستخدمين فى العالم. حتى المواقع العربية الأعلى تصنيفا تفتقد الى نسب المشاهدة العالية التى تتميز بها نظيراتها الأمريكية.
و عى الرغم من محاولات تقليد التطبيقات الرائدة على الإنترنت مثل فيسبوك و يوتيوب، فأن التطبيقات التى نشأت فى الشرق الأوسط و الوطن العربى لم تلاقى نفس النجاح لفشلها فى خلق تأثير الشبكة المطلوب.
و حتى بالنسبة للمستخدمين من نفس المنطقة، فإن المحتوى الذي توفره المواقع المحلية لم يكن جذابا بما فيه الكفاية بطريقة من شأنها أن تؤدي إلى إعادة توجيه اهتمامهم عن المواقع المعروفة. وقد أدى ذلك إلى أن خطوط الكابلات النادرة المنتشرة حول المنطقة تبدو مثل الطريق السريع في اتجاه واحد فهى تحمل حركة المستخدمين (والقيمة النقدية) في نفس الاتجاه.
في الختام ، مثل هذا الوضع يضع شركات الدوت كوم ألأمريكية في موقع مركزي ويجعلها تلعب دورا قياديا في هذا المجال. مما سمح لهم بنشر المحتوى والتطبيقات، ومنحهم مكانة ممتازة في البيع والإعلان. وعلى الجانب النقيض من ذلك ، تم تهميش «المناطق» الأخرى ، حيث اقتصر دور المستخدمين فى تلك المناطق على كونهم الزوار أو المشترين.
يوجد مثال مثير للاهتمام في هذا السياق: عندما انقطعت مؤخراً خطوط الكابل الموجود في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حصل شعور زائف لدى هذه الدول أنهم قد "قطعوا" من العالم كله. على الرغم من أن الكابلات المحلية كانت لا تزال سليمة ! أى أن المواقع المحلية (الموضوعه على Servers متواجدة فى مصر) كانت تعمل بكفاءة، و لكن الإنترنت بمفهومها الشعبى من وجهة نظر الجميع كانت مقطوعة.
فعلى الرغم من أن الفرضية التقليدية تقول بأن "الانترنت ليس ملكا لأحد" ، فأن الحقائق كشفت التناقض الواضح، و هو أن الإنترنت الذي تم إنشاؤه أصلا بهدف القضاء على المسافات ، حاليا يعزز التحيز على أساس جغرافي!
فى النهاية هى ليست كوسة بل تشغيل دماغ.

كتبت بواسطه ,,, محمد صلاح
بكالوريوس الاقتصاد جامعة القاهره
ماجستير الاقتصاد جامعة باريس 11
باحث اقتصادى فى منتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية و تركيا و ايران

أعدها للنشر: محمد رجب