من الأمور النادرة أن يسأل الإنسان نفسه " أين عيوبي " ؟
فالواحد منا دائما لا يرى في نفسه إلا الخير لأنه يحبها.
ومن
أهم أسباب الجهل بعيوب النفس الخوف من نظرة الناس مما يجعلنا نتجاهل تلك
العيوب و ننسى أن الله ينظر إلى أعمالنا وهو مطلع على السرائر.
-وقد يصل الحال ببعض الناس أن يذم غيره بما فيه ويفرح إن مدح هو بما ليس فيه.
مع العلم أن البشر جميعا لا يسلمون من النقائص والعيوب ولكنها قد تقل عند البعض وتكثر عند الآخرين.
والإنسان السوي هو الذي يسعى جاهدا إلى تحسين عيوبه والتخلص منها
وحتى نقف على عيوب أنفسنا لا بد من أن نعرف أهم صفاتها كما وصفها الله تعالى في القرآن الكريم.
فمنها :
1- الضعف: يقول الله تعالى : ((يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا))
ويقول ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ))
إن
الآيات تدل على أن خلق الإنسان كان من عنصر الضعف، وحسبه ضعفا أنه يتعرض
للنسيان بعد العلم، وللمرض بعد العافية ، وأخيرا لا
بد أن يموت.
ومن
العجيب أن ينسى ضعفه إذا ملك شيئا بعد القوة بسبب ما وهبه الله من العقل
والفكر ، وما يلبث أن يستعلي ويسعى في الأرض بالفساد إلا المؤمن.
لذا كان من حكمته عز وجل أن ينزل بالإنسان ما يذكره ويشعره بضعفه من أمراض ومصائب وابتلاءات حتى يعود إليه بخضوع وإيمان.
وفتح له باب التوبة إذا ضعف أمام الأهواء والشهوات والمعاصي.
كما أن الأحكام تنزل متوافقة لهذه الصفة كرفع الخطأ والنسيان وغير ذلك.
ويتغلب الإنسان على ضعفه بشعوره أنه قوي بالله تعالى، وبينت بعض الأحاديث أسباب القوة وسبيلها.
كقوله صلى الله عليه وسلم : (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)
الهلع و الجزع
يقول تعالى في سورة المعارج: ((إِنَّ
الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا {} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا
{} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا {إِلَّا الْمُصَلِّينَ))
اتصاف
الإنسان بالهلع نتيجة لحبه لذاته وحبه للسلامة والبقاء، لذا يصيبه الخوف
وربما التضجر إذا نزل به ما يكره وقد يتعدى ذلك إلى الضرب واللطم إلا إذا
اتخذ لنفسه وقاية عن طريق عقيدته وتربيته لنفسه على الصبر والتحمل لنيل
الأجر.
وكذلك هو منوع نتيجة لحرصه الشديد على ما يملكه ومن شدة الحرص يأتي الإمساك والمنع .
ويتغلب
الإنسان على الهلع بالطريقة التي بينها القرآن الكريم وذلك بحسن صلته
بالله ومراقبته وتأدية الحقوق المالية والإيمان بيوم القيامة وما أعد الله
فيه من الثواب والعقاب.
الإنسان كنود كفور فخور :
يقول تعالى في سورة هود : ((وَلَئِنْ
أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ
لَيَئُوسٌ كَفُورٌ {} وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء
مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ
فَخُورٌ {} إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(( و في سورة العاديات يقول تعالى ((إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {} وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ {} وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) .
و
الإنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، فإن أصابته نعمة أو غنى فأول ما
يخطر له أنها كانت بعلمه و سعيه و مهارته و حسن تدبيره ، و أن الله رآه
مستحقاً للتكريم فأكرمه ، و إذا مسه الضر تضجر و ربما تسخط ، وزعم أن الله
لم يعطه في الحياة و أنه أهانه ، بل ربما شك في عدله سبحانه و تعالى .
و
في نفس الوقت إذا وقع في خوف و ضيق لجأ إلى ربه يدعوه و يرجوه النجاة و
يعاهده على الشكر إن هو كتبها له ، فإذا فرج الله عنه نقض العهد، و أخذ
يعلل نجاته بالأسباب و عاد إلى ما كان عليه ، مع أن الأمر في الحالتين ليس
كما يتصوره الإنسان ، بل اقتضت حكمة الله لعلمه بطبيعة كل منهما أن يمتحن
هذا بالنعم ، و أن يمتحن هذا بالمكاره ، فهي ألوان امتحان فحسب .
إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى .
قال تعالى في سورة العلق ((كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى {} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى))
هذه الظاهرة تشاهد في الإنسان الذي يرى أنه استغنى بما يملك ، فيطغى .
وهذا الاستغناء قد يكون بالمال أو بالقوة أو بالعلم أ و بالصحة والعافية .
و لكن كيف ؟
نضرب
مثالاً على العلم : إذا رأى الإنسان أنه وصل إلى درجة من العلم و شعر بأنه
استغنى بعلمه أخذه الكبر والعجب و الصلف ، فيحتقر هذا ، ويزدري ذاك ، و
يسخر بآخر و هكذا ...
ومثال آخر بالمال : إذا رأى أنه غني ، و شعر بالاستغناء بذلك المال طغى بالتبذير والإسراف و اتباع الشهوات و التفاخر و إذلال الناس ومنع حقوقهم في ذلك المال .
و يتغلب الإنسان على هذه الصفة بالإيمان و العمل الصالح و شعوره الدائم بالفقر لربه في جميع أحواله ..
وهذا ما بينه القرآن إذ جعل الله تعالى الإنسان حبيس الحاجة و الافتقار إلى الله فإذا مسه الغرور فطغى ، جاءته العقوبة فذل و خضع و عندها يعرف حدود نفسه و يعرف افتقاره الدائم إلى ربه .
يقول تعالى ((يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {} إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ
جَدِيدٍ {} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ))
تلك كانت بعض من صفات النفس التى هى اخطر عدو على الانسان فمن جاهد نفسه عن ارتكاب الذنوب والبعد عن المعاصى ربح وكسب ومن اتبع هواهه وانساق وراء نفسه خسر وخاب فقال تعالى(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41))