خطايا استحقت «التأديب» - فهمي هويدي
أحدث إنجاز أمني تحقق مع حلول شهر
الصيام تمثل في الانقضاض على نادي هيئة التدريس
الذي تم انتخابه بواسطة 1200 من أساتذة الجامعة. واستصدار قرار بحله،
وعلى المتضرر أن يضرب رأسه في أقرب حائط.
الخلاصة أن نتيجة الانتخابات لم
تكن على هوى أجهزة الأمن، بسبب فوز بعض ذوي الاتجاه الإسلامي بأغلبية
الأصوات بين أساتذة الجامعة.
فضلا عن أن النادي لم يكن يتمتع بسمعة طيبة لدى الأجهزة الأمنية، بسبب دفاعه
المستمر عن مصالح أساتذة الجامعة.
ولأنه «متهم» بالتصدي للعديد من
القضايا الوطنية،
فضلا عن أنه أعلن تضامنه مع شعب غزة، ودعا إلى
مساندته ورفع الحصار عنه.
وتلك كلها «خطايا» حسبت على
النادي، وأدرجته ضمن القوائم السوداء. وحين حان موعد انتخابات
مجلس إدارة جديد للنادي، ودُعيت لأجل ذلك الجمعية العمومية لأساتذة
الجامعة، في شهر أبريل الماضي، فإن الفرصة حانت لتصفية الحساب، و«تأديب» مجلس
الإدارة السابق الذي انتخب سبعة من أعضائه في المجلس الجديد، على ما اقترفته
أيديهم خلال السنوات السابقة.
كانت النوايا واضحة منذ مرحلة
الترشيح، ذلك أن التدخلات الأمنية مارست ضغوطها على بعض الأساتذة لسحب
ترشيحاتهم، وكان منهم مثلا نائب رئيس جامعة القاهرة الذي سجل اسمه، ثم تراجع
بعد ذلك.
حين عقدت الجمعية العمومية، وتم انتخاب المجلس الجديد، لم تقف الأجهزة الأمنية مكتوفة الأيدي، وإنما
حركت أصابعها تمهيدا للانقضاض على
المجلس من خلال الطعن في صحة إجراءات انعقاد الجمعية العمومية، تجلى ذلك في
مذكرة قدمت باسم وزارة التضامن الاجتماعي أخذت على الجمعية العمومية أمرين
أحدهما غريب والثاني مضحك،
فقد انتقدت المذكرة توجيه دعوة الجمعية
العمومية إلى الأعضاء الذين سددوا الاشتراكات فقط دون غيرهم.
أما الثاني فهو أن الدعوات أرسلت بالبريد العادي
وليس المسجل(!).
كان واضحا افتعال ذريعة الحل، لأن
أكبر أساتذة القانون الإداري الذين استفتوا في المسألة اتفقوا على
تهافت السببين، وأكدوا صحة انعقاد الجمعية العمومية، لكن هذه الآراء لم يؤخذ
بها، لأن النية كانت مبيتة للحل.
وحتى حين طالب مجلس الإدارة المنتخب
باللجوء إلى لجنة فض المنازعات لبحث الخلاف حول صحة الانعقاد، فإن هذا الطلب
رُفض، لأن المطلوب كان حل المجلس ذاته وليس حل النزاع، وهذا ما حدث
بالفعل، حيث فوجئ الجميع بقرار لمحافظ الجيزة بحل مجلس إدارة نادي أساتذة
الجامعة، وتكليف رئيس جديد للنادي بإدارته لحين الدعوة لجمعية عمومية
وانتخاب مجلس جديد مرضي عنه. وتم ذلك ببساطة شديدة، كما لو أنه مجلس لإدارة
جمعية لدفن الموتى أو لرعاية المعوقين.
لم تكن هذه الخطوة جديدة في
ذاتها، لأن الانتخابات مجمدة في أغلب نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية.
وفي بعض هذه النوادي ثمة مجالس
شرعية انتخبها الأساتذة في انتخابات حرة، ومجالس أخرى مفروضة قامت
الأجهزة المختصة بتشكيلها على هواها، وظل القاسم المشترك بين كل هذه
المجالس أن السلطة لا تريد انتخابات تعبر عن رغبات أساتذة الجامعات، وإنما
المطلوب أن تكون متجاوبة مع هوى الحكومة.
بطبيعة الحال، فإن ذلك ليس حاصلا
مع أساتذة الجامعات وحدهم. ولكن عقلية المطرقة الحاكمة
للنشاط الأهلي والمتحكمة في حركة المجتمع لاحقت النقابات المهنية بمختلف أساليب التجميد
والحل والمصادرة والحراسة، في حملة تقويض مدهشة لدور المجتمع المدني في
أوساط المهنيين.
فنقابة المهندسين مجمّدة منذ 18 عاما، وهذا التجميد شمل نقابات الأطباء والصيادلة وأطباء
الأسنان والبيطريين والعلميين والتجاريين
والزراعيين، ولم يُسمح بإجراء انتخابات إلا في نقابات المهن الفنية
والممرضات والإرشاد السياحي والمحامين والصحافيين.
لقد ظل نادي أساتذة جامعة القاهرة
طوال السنوات الماضية بمنزلة شمعة مضيئة وسط هذه العتمة المخيمة،
فلم تحتمل، وكان لابد من إطفائها حتى تنسد أبواب الأمل في إماكن التحرك في
النور، ولا يبقى أمام الناشطين سوى التحرك في الظلام.
تُرى من يكون المتطرف حقا في هذه
الحالة؟!
............ ......... .........