السباب ليس شراً كله
ليس عندي دفاع عن ضيق صدر البعض
بسبب الصيام. والاحتجاج به في تبرير سرعة الانفعال وتوجيه
السباب للآخرين، ولا أستطيع أن أتجاهل النص القرآني الذي نهى
عن التنابذ بالألقاب، وذلك الذي قرر أن الله لا يحب الجهر بالسوء من
القول إلا من ظلم.
وأذكّر بأن المؤمن الحق لا ينبغي له أن يكون «لعّانا» كما يقول الحديث النبوي.
لكن يبدو أن بعض التعبير عن الانفعال لا يخلو من فائدة، على الأقل فهذا ما يقول به بعض علماء النفس في الولايات المتحدة، ومنهم الطبيب النفسي تيموسي جي،
الذي يقرر أن إطلاق العبارات الغاضبة،
أو حتى الشتائم، التي تندفع بصورة فجائية كرد فعل يعجز المرء عن تداركه، قد
يساعد في التنفيس عن شحنات الغضب والغيظ. ومن شأن ذلك أن يقلل من
الاندفاع في الاشتباك الجسدي، بالأيدي أو بغير ذلك.
هذه الفكرة أيّدها نفر من
الباحثين في كلية علم النفس بجامعة «كيل» البريطانية، الذين أجروا تجربة
على طلاب الكلية، خلصوا منها إلى أن توجيه السباب يزيد من معدل ضربات القلب،
ويسمح بالتعامل على نحو أفضل مع الأوضاع المزعجة، أشرف على التجربة ثلاثة
من أساتذة علم النفس، هم ريتشاد استيفنز واندرو كينجستون وجون اتكينز. إذ
طلبوا من 64 متطوعا أن يضعوا أيديهم في أوعية مثلجة مرتين، مرة وهم
يطلقون السباب، وأخرى وهم يرددون كلمات عادية. ولاحظوا أنهم حين أطلقوا السباب
كان بمقدورهم أن يبقوا على أيديهم في المياه المثلجة فترة أطول.
أغلب الظن أنه لا علاقة لهذا
البحث بنتائج المسح الذي أجري في بريطانيا وبيّن أن الإنجليز لا يترددون في
توجيه الشتائم إلى غيرهم في الأماكن العامة، ولا يتحفّظون في ذلك كما
يفعل أغلب الأوروبيين.
وكانت صحيفة «ديلي ميل» قد نشرت نتائج ذلك المسح الذي أجرته شركة «نولون» وتبين من نتائجه
أن البريطانيين يستخدمون يوميا ما معدله 14
شتمة، وأن 87 % منهم يرددون الشتائم على أساس يومي، وأن 98 % يذكرون
أنهم يتلفظون بكلمات سيئة في حالات الغضب.
أما الذين اعتبروا أن استخدام الكلمات النابية
أمر سيئ، فلم تتجاوز نسبتهم 8 % فقط من مجموع
الذين استطلعت آراؤهم (2319 شخصا).
في التعليق على نتائج المسح الذي
أشرف عليه وليام فايندلاي قال الرجل إن البريطانيين أصبحوا شعبا
شتاما، واستند في ذلك إلى أن جميع المستطلعين تقريبا لا يترددون في توجيه
الشتائم والكلمات النابية عند غضبهم.
بهذه المناسبة، قرأت تقريرا عن
تجربة أميركية للتخلص من استخدام الألفاظ النابية، فقد قررت مدينة
باسادينا بولاية كاليفورنيا تخصيص الأسبوع الأول من شهر مارس في كل
عام، ليكون خاليا من استخدام الألفاظ البذيئة، واستهدفت الحملة تشجيع
الناس على عدم التنابذ وتداول الشتائم والألفاظ البذيئة، خاصة بين المراهقين
الذين يعتقدون أن إطلاق بعض الشتائم بصورة دارجة يجعلهم يبدون أكثر «عصرية».
وكان المشروع الذي أعلنه عمدة
المدينة. ميخائيل جاسوستي، قد بدأ كفكرة صغيرة بين مجموعة من الشباب،
ابتدروها كتحد فيما بينهم: أن تخلو جلساتهم ونقاشاتهم من أي ألفاظ جارحة، حتى
البسيط منها الذي أوشك أن يصبح تداوله أمرا عاديا. وتوسّعت الفكرة بعد
ذلك ليحتضنها عمدة المدينة، التي يسكنها نحو 25 ألف نسمة.
الفكرة تطوّرت إلى مشروع له
شعارات وصفحة إلكترونية وملصقات وقمصان كتبت عليها عبارات مثل: منتدى
الرافضين للسباب وأوقفوا البذاءات. وقد وصل عدد المنضمين إلى الحملة نحو عشرة
آلاف شخص، ثم إنها تعدت حدود المدينة لتصل إلى مدينة سانت لويس بولاية
ميسوري، حيث تقدم مجلس المدينة بمشروع قرار يمنع تنابذ وإطلاق الألفاظ
الجارحة للشعور العام، خاصة في البارات والمطاعم.
من جانب آخر، أشارت صحيفة «الكورنة»
النمساوية، التي أوردت الخبر، إلى أن عمدة مدينة جدانسك البولندية،
سبق الجميع بتشريع قانوني فرض غرامة مالية على كل من يُقبض عليه
متلبسا بجرم «التنابذ وتداول ألفاظ فاحشة»، ويغرمه بمبلغ 50 زلوتي أو ما
يعادل مبلغ 12.50 يورو، ما أشاع حالة من التهذيب، وحسّن من لغة التخاطب،
خاصة بأماكن التجمعات وسط المدينة، كما أضاف إلى المدينة مصدر دخل لا يمر
يوم دون أن يزداد.
............ ........