الـتـحـرش بـالـقـضـاة
منـذ أن جاء المستشار ممدوح مرعى وزيرا للعدل - مكافأة له على ما قام به فى أثناء رئاسـته للجـنة العليا لانتخابات رئاسة الجمهورية – وهو يفتعل المعارك المتتالية مع شيوخ القضاة وشبابهم !
فهـذا الوزير يـدرك أن مهمته المنوط بـه القيام بها - والتى يسعى بكل جهده لتحقـيقها - خلال فترة وجوده فى هذا المنصب الخطير هو التغلب على تيار استقلال القضاء ، لكى يتحـكم الوزير فى مخـتلف شـئون السلطة القضائية ، ويسـيطر سيطرة كاملة على جموع القضاة !
ومن هنا كانت المواجـهات المتتابعة بين الوزير وأتباعه من جانب ، وجموع القضاة ممثلين فى أنديتهم المعبرة عنهم والمدافعة عن استقلالهم من جانب آخر.
ومـن ثـم ظهر مشروع قانون أعده الوزير لإنشاء مجلس للهيئات القضائية يتيح لـه - وهو ممثل السلطة التنفيذية - الهيمنة على صميم شئون القضاء ورئاسة جميع رؤساء الهيئات القضائية !
وكان يمكن لهذا القانون – وهو يعد مذبحة حقيقية للقضاة - أن يمر كما مرت قوانين أخرى ، وكما مرت التشويهات الدستورية ، لولا تحرك القضاة للدفاع عن استقلالهم وحصانتهم ، وتفنيد العوار الدستورى والقانونى فى هذا المشروع المهزلة ، ولذلك رضخ الوزير وتراجع أمام يقظة القضاة وتحركهم السريع ، وأعلن إدخال تعديلات على مشروع القانون ! لكن أى تعديلات لا يمكن أن تحقق أى خير ، لأن الهدف النهائى من هذا القانون واضح جدا ، ومن ثم على القضاة أن يصمدوا فى معركتهم الكبرى للدفاع عن حقهم وحق الأمة فى سلطة قضائية مستقلة .
فعقول المصريين وقلوبهم تتابع باهتمام وقلق معركة استقلال القضاء ، فثمة آمال كبيرة معلقة بالقضاة ، ودورهم المهم فى معركة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومعارك الديمقراطية هذه ، تعيدنى – مرة بعد أخرى - إلى التأمل فى الحلم رقم مائة من " أحلام فترة النقاهة " لأسـتاذنا العظيم نجـيب محـفوظ الذى تحل ذكرى ميلاده فى الحادى عشر من ديسمبر ، وكما مرت ذكرى وفاته فى الثلاثين من أغسطس فى صمت جهول ، أتوقع ألا تتذكره أيضا مؤسسات الدولة الثقافية المشغولة فقط بترشيح وزير الثقافة لليونسكو !
وها هو نص الحلم : " هذه محكمة ، وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد ، وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء ، وهذه قاعة الجلسة حيث جلست أنا متشوقا لمعرفة المسئول عما حاق بنا ، ولكنى أحبطت عندما دار الحديث بين القاضى والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل حتى اعتدل القاضى فى جلسته استعدادا لإعلان الحكم باللغة العربية فاستعددت للقيام ، ولكن القاضى أشار إلى أنا ونطق بحكم الإعدام فصرخت منبها إياه بأننى خارج القضية ، وإننى جئت بمحض اختيارى لأكون مجرد متفرج ، ولكن لم يعبأ أحد بصراخى ."
د. زكـى سـالم