دون أن تدرى أو تقصد ، تسببت مكتبة الإسكندرية فى إحراج بعضنا وإغاظة أغلبنا .. ورغم أننى واثق من حسن نية القائمين على المكتبة حين قبلوا استضافة الاحتفال بتسليم جائزة الحكم الرشيد " ، إلا أن رسالة الاحتفال أثارت خواطر وكوامن ، أظن أنهم حريصون على الابتعاد عنها ...
فحين تكون فحوى الرسالة أن الحاكم الرشيد هو من يترك موقعه طواعية ، بعد أن يؤدى رسالته فى إشاعة الديمقراطية والشفافية واحترام حقوق الإنسان بما يحقق الاستقرار والنمو لبلاده ، فإن الترويج لهذا المضمون قد يحمله بعض الخبثاء على أنه غمز فى الأوضاع التى نعرفها ، وكشف لأمور مسكوت عليها ، وذلك سبب كاف للحرج ، وفى الوقت ذاته فحين تقول الرسالة المذكورة إن ذلك الحدث وقع فى بلد ساقط من الذاكرة اسمه موزمبيق .. يتمدد على الشاطئ الأفريقى فى أقصى جنوب القارة ، فإن ذلك كفيل بإغاظة المواطن المصرى الذى ظل يختال طويلاً وهو يبتاهى بأوسمة الريادة التى علقوها على صدره ، باعتباره ابن حضارة سبعة آلاف سنة ..
الذى يرفل فى حلل أم النيا ويعيش فى ظلال ازهى العصور ، وهومن تصور أنه حين ترصد جائزة الحكم الرشيد ، خصوصاً فى أفريقيا ، فإنها ستسعى مهرولة إلى بلاده بعد أن تفوز بها بالتزكية ..
أما أن تدير الجائزة ظهرها لمصر ، وتذهب إلى ذلك البلد الصغير ، فمن شأن ذلك أن يصيب أغلب المصريين بالغيظ وخيبة الأمل .
أصل الحكاية أن رجل أعمال سودانياً ناجحاً اسمه " محمد فتحى إبراهيم " كان قد تخرج فى جامعة الإسكندرية ، ظل يلح عليه حلم العثور على حاكم صالح فى أفريقيا ، ولاحقه الحلم لسنوات عديدة ، ولم ينسه حتى بعدما أصبح من كبار رجال الأعمال ، واستقر به المقام فى لندن بعد أن حصل على الدكتوراة هناك ..
وحتى يحقق حلمه فإنه خصص جائزة قيمتها خمسة ملايين دولار لذلك الحاكم الأفريقى المعجزة تدفع على عشر سنوات ، مع راتب سنوى قيمته 200 ألف دولار يتقاضاه مدى الحياة ..
لعلمك فإن هذه القيمة تتجاوز جائزة نوبل ن التى تبلغ قيمتها 1.2 مليون دولار ...
وإذ أسس جمعية خيرية باسمه " مو إبراهيم " ، فإنه عقد مؤتمراً صحفياً فى شهر أكتوبر من العام الماضى اعلن فيه عن جائزته ، وقال إن جامعة هارفارد ستتولى الإشراف على المعايير المتبعة لتحديد الرئيس الذى خدم بلاده على النحو المنشود ، وتشكلت لجنة التحكيم برئاسة كوفى انان السكرتير العام السابق للأمم المتحدة.
فى الإعلان ذكر " مو إبراهيم " أنها ستمنح للرؤساء والحكام المنتخبين ديمقراطياً ، ولا مكان فيها للذين يصلون إلى الحكم بطرق أخرى ..
واشترط فى أولئك الرؤساء أن يكملوا مدة حكمهم ، ثم يتقاعدوا طائعين ، ويساعدوا على نقل الحكم إلى من يخلفهم بطريقة سلمية وديمقراطية ، وفى سنوات حكمهم ينبغى أن تتوافر فيهم الشروط التى سبقت الإشارة إليها .
بعد بحث مضن استمر أكثر من سنة وجدت لجنة التحكيم ضالتها فى رئيس موزمبيق السابق " يواكيم شيتسانو 68 عاماً " زز الذى يكفى أنه انتخب مرتين ثم رفض أن يترشح لولاية ثالثة ، رغم أن دستور البلاد يجيز له ذلك ، وبعد أن ترك الحكم أعطى وقته لإشاعة السلام فى الدول الأفريقية المجاورة ..
وخلال سنوات حكمه ، الذى أنهكته الحروب الأهلية ، فضلاً عن أنه حقق نجاحات أخرى فى مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، الأمر الذى أدى إلى تراجع معدلات الفقر والحد من انتشار مرض الإيدز ..
وحين قرر مغادرة منصبه ، فإن خلفه أخذ مكانه فى ظل انتخابات نزيهة ، شهدت المنظمات الدولية بشفافيتها ونظافتها .
حين زهد فى السلطة رئيس المجلس العسكرى الحاكم فى موريتانيا .. واشرف على إجراء انتخابات نزيهة اسفرت عن فوز الرئيس الحالى " سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله " .. حسدناهم وكظمنا الغيظ .. ثم نسينا الموضوع ، لأن الحدث تم بعيداً عنا ..
ولكن أن يعلن عن فوز رئيس أفريقى بجائزة الحكم الرشيد لأنه بدوره زهد فى الحكم وتركه لغيره طائعاً مختاراً ، ثم تمنح الجائزة للرجل تحت أعيننا وفى عقر دارنا ، فإن ذلك يذكرنا بما نحاول أن ننساه ..
ويضاعف من شعورنا بالغيظ فضلاً عن الحسد ، وكان حرياً بمكتبة الإسكندرية أن تراعى شعورنا .. فتعتذر عن عدم إقامة الحفل متعللة بأى عذر ..
لأن الحرج الذى قد تستشعره فى هذه الحالة ، لا يقارن بكم المواجع التى قلبتها علينا جراء ما أقدمت عليه .