منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان

منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان
 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول
 

 ‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
eng_ghost
مراقب عام المنتديات والحوار العام ومنتدى الهندسة المدنية
مراقب عام المنتديات والحوار العام ومنتدى الهندسة المدنية
eng_ghost


عدد المساهمات : 4632
تاريخ التسجيل : 16/04/2008
العمر : 38
الموقع : just in my dreams ,, i can reach any place
رقم العضوية : 1036
Upload Photos : ‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏ Upload

‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏ Empty
مُساهمةموضوع: ‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏   ‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏ I_icon_minitimeالأحد 24 مايو - 14:17

‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏ 44385_17m
التاريخ هو سجل الشرف والفخار لكل أمة ناهضة وضعت علمها خفاقا فوق شواشي الشجر‏..‏

ومصر بوصفها صانعة الحضارة‏..‏ بل إن الحضارة نفسها لا ينطقها أحد ولا يكتبها أحد‏..‏ إلا مقرونة باسم مصر‏..‏
اليوم نفتح معكم صفحة من صفحات البطولة المصرية عبر تاريخ يمتد إلي الوراء أكثر من خمسين قرنا من الزمان‏..‏ صفحة عنوانها‏:‏ في دنشواي‏..‏ زهران مازال حيا يرزق‏..‏
فليتفضل الرواة يحكون ويقولون ونحن لهم مستمعون‏.‏
في نفس المكان كتبت في الذكري المائة عن دنشواي قبل عامين أقول‏:‏ الابطال في كل زمان وفي كل مكان‏..‏لا تلدهم الامهات‏..‏ وانما تلدهم الامم‏!‏
ذهبنا الي قرية مصرية وادعة امنة تعيش اليوم الذكري المائة للحادث الذي اخترق سمع الزمان وبصره وقال للكون كله‏’‏ هذه هي مصر‏..‏وهولاء هم ابناؤها من جيل الابطال العظام‏’..‏ هذه القرية التي امضيت فيها سحابة نهار بطوله لا تعرف ان الحمام هو رمز السلام‏!‏
في الثالث عشر من يونيو من عام‏1906‏ وفي‏’‏عز نقحة القيالة‏’‏ وقع الحادث الذي هز الدنيا بحالها‏..‏وايقظ الضمير العالمي من سبات عميق‏,‏وفتح لقرية دنشواي بابا تطل منه علي التاريخ‏!‏
وكلنا يعرف جيلا بعد جيل ما جري في هذا اليوم الاحمر دمه‏..‏ الاسود حزنه‏..‏
وكلنا جيلا بعد جيل سطرنا باقلام الطفولة والصبا قصته في كراسات الانشاء‏..‏
رصاصات انجليزية زرقاء تطارد الحمام في ابراجه‏..‏اصابت صدر احدي الامهات واشعلت النار في اجران القمح‏..‏هم الرجال للدفاع عن حرماتهم‏..‏فغرقت دنشواي في بحر من الدم‏..‏الشنق والجلد علنا للرجال في حفل شكسبيري مهيب‏,‏ المتفرجون فيه الامهات والزوجات والاطفال‏!‏
ويا زمن الغربة داخل الاوطان‏..‏كم من الابطال سقطوا ولكنهم‏..‏مازالوا في اعماقنا احياء يرزقون‏!‏
هذه هي اذن دنشواي‏..‏
اطلت علينا بعد مشوار من القاهرة سجله عداد السيارة ب‏58‏ كيلو مترا‏..‏
وابراج الحمام مازالت رمز دنشواي في قلب ريف المنوفية البكر‏..‏اسراب الحمام امواج متلاحقة تصنع حاجزا من الظل بين رءوسنا التي اصابها الصلع المبكر وبين السعار الذي اصاب شمس يونيو‏..‏
ووضعت يدي علي قلبي وتراب حارات القرية يصنع هالة من الغبار حول اقدامنا‏..‏خوفا من تكرار ضربة الشمس التاريخية التي قتلت الضابط الانجليزي بول هاتلي في مثل هذا اليوم قبل مائة عام وكانت الشرارة التي فجرت مأساة دنشواي كلها‏!‏
في يوم الثالث عشر من يونيو في الذكري المائة لمأساة هذه القرية الطيبة التي كانت الشرارة التي حركت ثوره‏1919‏ العظيمه‏..‏ذهبت الي دنشواي‏..‏
الوجوه هذه المرة ثلاثه‏:‏ ماجي ارنولد الصحفية الامريكية في جريدة شيكاغو تريبيون‏+‏ جلال عمران بفرشاته والوانه‏+‏ انا باحساس الغربة داخل وطن يطارده اللئام دون هواده‏..‏وهو يخرج في كل مرة منتصرا واكثر قوة واشد مناعة‏..‏
يوم عار علي بريطانيا‏!‏
ولكن قبل تسعة عشر عاما بالتمام والكمال ذهبت الي دنشواي‏..‏لاكتب هذه الملحمة البطولية لقرية مصرية قفز اسمها الي الصفحات الاولي في جرائد التايمز اللندنية وكتب عنها الكاتب الانجليزي الساخر برنارد شو قائلا‏:‏هذا يوم عار علي بريطانيا العظمي‏!‏
وقالت الفيجارو الفرنسية‏:‏علي بريطانيا ان تعتذر لشعب مصر‏!‏
كنا يومها اربعة ندب في طرقات القريه‏..‏بنظارته السوداء وكاميراته معلقة فوق كتفيه انه محمد وسيم المصور‏..‏وباقلامه وفرشاته واوراقه انه فرج حسن الرسام والحفيد الرابع لزهران احد ابطال دنشواي‏..‏ثم بوجهها الاحمر الجاد الجامد الذي لا يعرف الابتسام وسحنتها السكسونيه‏..‏انها مارجريت بنتلي الصحفية الانجليزية المتجولة في الشرق الاوسط والتي اصرت علي مشاهدة القرية التي الحقت العار ببريطانيا العظمي‏,‏ وانا‏!‏
سالنا صبيا يلبس جلبابا ازرق بنص كم‏:‏ هو العمدة فين يا شاطر
قال‏:‏انا وليد ابن اخوه‏..!‏
قلنا‏:‏ تقدمنا اليه‏..‏
الحقول تحنو علي عيدان القطن التي بدات تطل برأسها الاخضر من قلب الطين الاسود‏..‏ ولا اثر لفلاحين في الارض‏..‏ سألت اين هم
قالوا‏:‏ نصفهم في بلاد النفط‏..‏
قلت‏:‏ والباقون
قالوا‏:‏ لسه مانزلوش الغيط قلت الساعه‏11‏ الصبح ولسه مانزلوش‏!‏
قالوا‏:‏اصلهم كانوا سهرانين قدام التليفزيون بيتفرجوا علي الكوره‏!‏
عندما وصلنا الي دوار العمدة كنا اشبه بزفة المولد‏..‏كل البيوت خرجت تتفرج علي الخواجات القادمين من بلاد برة لتصوير فيلم اجنبي عن دنشواي‏!‏التفت الي مارجريت وقلت‏:‏ انت السبب‏!‏
قالت‏:‏ لماذا
قلت‏:‏ اكيد فاكرينك الممثلة العالمية جاكلين بيسيه‏..‏
ابتسمت لاول مرة وقالت‏:‏ ياه هو انا حلوة كده زيها
قلت وانا انظر لانفها الانجليزي الطويل المدبب ووجهها الذي يشبه الي حد كبير وجه الشيخ عصفور في يوميات نائب في الارياف لتوفيق الحكيم‏:‏ يعني‏!‏
ينقذني العمدة بجلبابه الابيض الفضفاض وهو يستقبلنا علي عتبة الدوار من هذا المطب الحريمي‏..‏بعبارة طيبه‏:‏ اهلا وسهلا‏..‏دنشواي نورت‏!‏
فوق كنبة عربي عريضة مريحة جلسنا‏..‏العمدة خلع طاقيته البيضاء عن شعر ابيض بياض السابعة والستين وجلس في مواجهتنا وبدا يتحدث بعد ان امر لنا بصينية الشاي قائلا‏:’‏ انا محمد عبد العزيز عبد الغفار الشاذلي كنت موظفا في بنك التسليف‏..‏بعد المعاش الناس ركبت راسها والف سيف لازم ابقي العمده‏..‏ابويا كان عمدة قبلي‏,‏ وجدي محمد الشاذلي كان عمدة دنشواي ساعة الحادثة في سنة‏1906.‏
اقاطعه‏:‏ يا حضرة العمدة يوم ما تولدت كان فات علي حادثه دنشواي‏4‏ سنين‏..‏ ابوك واللا جدك قالوا لك ايه عنها
الصفاء يهرب من صوت الرجل لتحل مكانه المراره‏..‏ كانت اياما سوداء‏..‏ البلد كانت لابسه اسود في اسود‏..‏رائحة الخراب كنت تشمها في كل دار‏.‏فتحت عيني وانا صغير علي ده كله‏..‏كنت العب مع ولاد الحارة في المكان اللي اتشنق فيه زهران وزمايله التلاته‏.‏المكان ده اصبح دلوقتي متحف دنشواي ومقر المجلس القروي‏..‏علي فكرة المتحف مقفول‏.‏
اسال‏:‏ ليه
قال‏:‏ علشان ايل للسقوط‏.‏
قلت‏:‏بس يا حاج انت لم تحك الحكايه
قال‏:‏ ما انتم عارفينها يمكن اكتر مني‏..‏كل اللي انا فاكره‏..‏عساكر الهجانة بالكرابيج قعدوا في البلد يمكن سنة بعد الحادثه‏..‏ كل بيت فيه ميتم‏..‏كل بيت فيه واحد انجلد او واحد اتشنق او واحد محبوس اللي سنة واللي مؤبد‏!‏
قلت‏:‏ والناس ايامها كانوا كتير؟
قال‏:‏ ابدا دول يادوب الف نفر‏!‏
قلت‏:‏ ودلوقتي؟
قال‏:‏يوصلوا ثلاثين الف او اكتر شويه‏!‏
قلت‏:‏والحادث؟
قال وهو ينادي علي ابن اخيه‏:‏ ياواد يا وليد هات كتاب المطالعة الحديثة واقرا لنا حادثة دنشواي‏!‏
قال وليد‏:‏حافظة يابا العمده‏!‏ وبدا وليد يسرد علي مسامعنا ما يحفظه عن ظهر قلب‏..‏
طلبت مارجريت مني ان اترجم لها درس المحفوظات‏..‏في الوقت الذي اكتشفت فيه انني وحدي معها فلقد ذاب المصور والرسام في حواري القريه‏!‏
مازلنا جلوسا في دوار العمده‏..‏اكواب الشاي امامنا اسود من حزن الامهات‏..‏مارجريت ترفض غاضبة ان تشرب شراب الحداد هذا كما وصفته‏..‏اتركها لغضبها واسرح في احداث اليوم السابق لرحلة اقتحام التاريخ في دنشواي‏.‏
الوثائق البريطانية
مـــــاذا قـــــــالت؟
امضيت يوما بطولة بين دهاليز واضابير دار المحفوظات المصرية في القلعة ابحث عن سجلات حادث دنشواي فيما تركه المعتمد البريطاني ايامها اللورد كرومر من مذكرات ووثائق‏..‏
ابحث في اعداد الصحف المصرية التي كانت تصدر ايامها‏..‏ المقطم واللواء والجريدة والمؤيد والمنبر والظاهر وخيال الظل فضلا عن الاهرام طبعا‏..‏ ماذا قالت وماذا كتبت؟
انفقت ساعات طويله‏..‏اقرأ الوثائق البريطانية وملف المحاكمة التاريخية لقرية بحالها‏..‏ودفاع ابراهيم الهلباوي اشهر محام مصري ايامها ووقوفه الي الجانب الخطأ مع الاحتلال ضد القرية الامنه‏..‏وضد مصر‏..‏حتي انهم اطلقوا عليه بعدها لقب‏’‏جلاد دنشواي‏’!‏
وان كان الرجل مظلوما بحق لانه كان يجلس في مقعد المدعي العام في القضيه‏!‏
فماذا وجدت يا تري؟

*‏تقول الرواية الانجليزية للحادث كما جاء في الوثائق البريطانيه‏:‏ ان خمسة ضباط انجليز امتطوا الخيل ومعهم الاومباشي زقزوق والترجمان عبد العال‏..‏في طريقهم الي دنشواي لصيد الحمام‏..‏وبدأ الصيد في الثانية ظهرا‏..‏وفجاة اشتعلت النار في جرن القرية في اكوام القمح دون سبب وتجمع الاهالي وحاولوا نزع بندقية الضابط بورتر‏,‏ ولكن رصاصة انطلقت منها اصابت ام محمد عبد النبي زوجة مؤذن القرية‏..‏وبدأ الاهالي يتحرشون بالضباط وضربوا ثلاثة منهم بينما فر الاخران‏..‏وسقط واحد منهم اثر ضربة شمس أودت بحياته‏!‏

*‏اما الرواية المصرية من واقع سجلات المحاكمة فانها توكد ان الضباط الانجليز اطلقوا النار علي الحمام فاصابوا ام محمد عبد النبي وثلاثة اخرين وانهم اشعلوا النار في جرن القرية وقتلوا احد الفلاحين في قرية سرسنا القريبة الذي حاول ري عطش الضابط بول الذي سقط نتيجة ضربة شمس‏!‏

*‏جمع البوليس‏250‏ من أهل القرية وقدم منهم‏59‏ للمحاكمة امام المحكمة المخصوصة التي انشأها الانجليز عام‏1895‏ لمحاكمة المصريين الذين يعتدون علي الانجليز‏!‏

*‏قالت جريدة المقطم يوم‏18‏ يونيو‏1906‏ ان المشانق اعدت داخل القرية قبل التحقيق‏!‏

*‏يوم‏27‏ يونيو اصدرت المحكمة المخصوصة التي انشأها بطرس غالي باشا الاحكام التاليه‏:‏

*‏اعدام اربعة هم‏:‏ حسن علي محفوظ‏,‏ يوسف حسني سليم‏,‏ السيد عيسي سالم ومحمد درويش زهران‏..‏
وبالاشغال الشاقة المؤبدة علي محمد عبد النبي واحمد عبد العال محفوظ والاشغال الشاقه‏15‏ عاما علي احمد السيسي والاشغال الشاقه‏7‏ سنوات علي‏6‏ اخرين والجلد‏50‏ جلدة بالقطة الانجليزي ذات الاذرع الخمسة علي‏8‏ من اهل القريه‏.‏

*‏في الثانية من ظهر يوم‏28‏ يونيو تم تنفيذ كل الاحكام داخل قرية دنشواي وعلي مشهد من الجميع‏!‏
ونكست مصر رأسها‏!‏
مصطفي كامل يثور‏!‏
سمع مصطفي كامل بالحادث وكان في باريس فكتب مقالا في جريدة الفيجارو الفرنسية تحت عنوان‏’‏الي الامة الانجليزية والعالم المتمدن‏’‏ ناشد فيه العالم الوقوف الي جانب مصر
ثم سافر الي لندن وكتب في صحفها واعلن في كل مؤتمر واجتماع انه حان الوقت لاعطاء مصر حريتها‏..‏وانتهي الامر بانجلترا الي سحب اللورد كرومر من منصبه في مايو عام‏1907‏ اي بعد اقل من عام علي حادثة دنشواي‏!‏

*‏في اكتوبر‏1906‏ كتب الشيخ علي يوسف رئيس تحرير جريدة المؤيد سلسلة مقالات يهاجم فيها اللورد كرومر عند عودته الي مصر تحت عنوان‏’‏ في قصر الدوبارة بعد يوم الاربعاء‏’‏ والاربعاء هو يوم مأساة دنشواي‏!‏

*‏وقال شاعر النيل حافظ ابراهيم‏:‏ قتيل الشمس اورثنا حياه‏..‏ وايقظ هاجع القوم الرقود‏..‏فليت كرومر قد بات فينا‏..‏يطوق بالسلاسل كل جيد‏..‏لننزع هذه الاكفان عنا‏..‏ونبعث في العوالم من جديد‏.‏

*‏وقال قاسم امين بعد الحادث‏:‏ رأيت عند كل شخص تقابلت معه قلبا مجروحا ورعشة عصبية في الايدي وفي الاصوات‏..‏كان الحزن علي جميع الوجوه‏.‏

*‏وقال الشاعر احمد شوقي‏:‏يا دنشواي علي رباك سلام‏..‏ذهبت بانس ربوعك الايام‏..‏ يا ليت شعري في البروج حمائم‏..‏ام في البروج منية وحمام‏!‏
وقبل‏29‏ عاما كتب احمد بهجت‏:‏ بين اربعة الاف قرية في بلادي‏.‏ قرية لا تعرف ان الحمام رمز السلام‏..‏ فقد طارت يوما من القرية حمامة وانطلقت عدة رصاصات في جرن القمح‏..‏ وضربت الشمس احد جنود الاحتلال وغرقت دنشواي في الدم‏!‏
شاهدة عيان تتحدث‏!‏
صوت المؤذن من فوق مئ جامع القرية يؤذن لصلاة الظهر‏..‏ قال لي العمدة وهو يهم بالذهاب الي الصلاه‏:‏هذا الجامع كان سجنا للرجال الذين امسكوا بهم بعد حادث دنشواي‏!‏
كما اختفي فجأة يظهر فرج حسن الرسام‏..‏ يميل علي كتفي هامسا في اذني‏:‏لقد عثرت لك عليها‏!‏
قلت‏:‏من ؟
قال‏:‏الوحيدة الباقية من عائلة زهران‏!‏
قلت‏:‏نصف ابناء القرية من ال زهران‏!‏
قال‏:‏ الوحيدة علي قيد الحياة التي شاهدت المأساة بعيني رأسها‏!‏
قلت‏:‏من بربك
قال‏:‏ابنة زهران نفسه‏!‏
قلت‏:‏غير معقول‏!‏
قال‏:‏صدقني انا ابن القريه‏!‏
سالتني مارجريت وانا اسحبها من يدها‏:‏ ماذا جري
قلت‏:‏مفاجاة لم تحلمي بها‏!‏
حسبتها في رأسي وانا اقدم رجلا وأوأخر اخري قبل ان تقودنا حواري القرية ودروبها الضيقة الي بيتها النحيل القصير القامة الاغبر لونه‏,‏ المتداعي بنيانه من طول العمر‏..‏ الماساة وقعت في مثل هذا اليوم من‏81‏ سنه‏..‏ يعني علي الاقل عمرها لا يقل عن‏90‏ سنه‏..‏ممكن‏!‏

**‏ملحوظة من عندي‏:‏هكذا كان عمرها قبل‏21‏ عاما‏..!‏
قالوا وهم يقدمونها الينا‏:‏الست سيدة زهران بنت زهران احد اربعة شنقوا داخل جرن القريه‏!‏
كل ما يمكن ان تصنعه السنون من احزان ومحن من اشجان وتعب من هموم الايام وقهر الليالي‏..‏ فعلته ودونته فوق ملامح هذه الام العجوز التي قدمت الينا يدا معروقة تكاد تري الشعيرات الدموية فيها قبل الشرايين والاوردة تسلم مرحبة باهل البندر‏!‏
قلت وانا اخذ بيدها لاجلسها علي حصير فقير الحال يشكو قلة العيدان‏:‏ كم عمرك يا خاله
لم تجب لانها لم تسمعني‏!‏
قال أهلها وهم اكثر من عشرة يملأون الحجرة الضيقة المظلمة التي نجلس فيها‏:‏اصل سمعها لا مؤاخذه‏,‏ موش قد كده‏!‏
قلت‏:‏طبعا سمعها تقيل لواحدة في التسعين من عمرها‏!‏
قالوا‏:‏لا قول ييجي مائة سنه‏!‏
قلت بصوت عال‏:‏ يا امي شفتي ابوكي زهران فوق المشنقه
وكانني فجرت بسؤالي داخل ما تبقي من نحيل جسدها قنبلة زمنيه‏..‏راحت تتكلم وتتكلم تحكي وتحكي دون توقف‏..‏
فاكرة كل حاجة زي ما تكون حصلت امبارح بس‏..‏ ابويا كان اتجوز اربع ستات‏..‏امي كانت واحدة منهن‏..‏كل ست قاعدة في اوضة فوق السطوح‏..‏ ابويا ما حدش قبض عليه هو اللي سلم نفسه للعمدة محمد الشاذلي‏..‏بعد ما هرب كل رجالة البلد للبلاد اللي جنبنا بعد مانزل العسكر الانجليز البلد يلموا الرجالة كلهم‏..‏
ضربوه عشان يقول انه ضرب الضباط الانجليز اللي كانوا بيصطادوا الحمام اللي في الابراج‏..‏قال‏:‏ انا محمد زهران‏..‏راجل من ظهر راجل‏..‏لكن انا ماضربتش اي انجليزي‏..‏لاني ما كنتش في البلد ولو كنت موجود ماكانش حد قدر يضرب ام محمد بالرصاص‏!‏
قلت‏:‏ومين ام محمد يا خالتي
قالت‏:‏دي مرات المؤذن‏!‏
قلت‏:‏ماتت
قالت‏:‏ من زمان‏!‏
قلت‏:‏لا اقصد هل ماتت برصاص الانجليز
قالت‏:‏لا‏..‏ اتعورت في كل جسمها‏.‏
اسالها‏:‏ حضرتي يوم ما شنقوا الرجال الاربعه
قالت‏:‏حضرت كل حاجة الشنق والجلد كمان‏.‏
قلت‏:‏ كان عندك يومها كام سنه
قالت‏:‏انا كنت فايرة وكان جوزي الله يرحمه كان يادوب مكلم ابويا علي قبل ما يشنقوه‏!‏
قلت‏:‏طيب يا خالتي فاكرة ابوكي عمل ايه ساعة ما الانجليز طلعوه علي حبل المشنقه
قالت‏:‏موش سامعة يا بني‏!‏
اعدت سوالي بصوت مرتفع‏..‏قالت وقد تسلل حزن مائة عام الي صوتها‏:‏موش فاكره‏..‏هو اتشنق بعد مين ولا قبل مين‏..‏بس اللي فاكراه ان حسن محفوظ ده كان راجل كبير قد بنتي فهيمة دلوقتي هو اول واحد شنقوه‏!‏
قلت‏:‏فاكرة قال ايه قبل ما يشنقوه
قالت‏:‏والنبي يا بني موش عارفة انا اللي فاكراه ان يوسف سليم كان صغير ما دخلش دنيا لسه‏!‏
وقاطعتها‏:‏يعني ايه يا خالتي مادخلش دنيا
تضحك من خلال فم بلا اسنان‏:‏يعني موش عارف يا سيدنا الافندي
قلت‏:‏ فهمت يا امي وبعدين عمل ايه يوسف سليم قبل مايتشنق
قالت‏:‏زعق في وش الانجليز بصوت عالي‏:‏ربنا يلعن الظالمين‏!‏
قلت‏:‏ وابوكي قال ايه
قالت وعيونها ضائعة في عمق السنين‏:‏ قال‏’‏ اه يا ولاد‏.‏ ال‏….‏ لو كنت عارف كنت ماخليش واحد انجليزي علي ارض مصر‏!’..‏
قلت وانا انظر اليها بفخر‏:‏يا امي طلباتك ايه
قالت‏:‏ يا بني انا عايشة علي معاش السادات‏..‏قابلني من سنين وقاللي موش عاوزة حاجة يا خالة سيده
قلت له‏:‏عاوزة اصرف واعيش وانا بنت البطل زهران‏!‏
قال‏:‏اصرفوا لها معاش خاص‏!‏
قلت‏:‏كم
قالت‏:‏سبعة جنية يا بني‏!‏

**‏ملحوظة من عندي‏:‏ معاش السادات الان حسب علمي اصبح‏100‏ جنيه‏!‏
تتدخل ابنتها فهيمة وهي تبدو وكانها اكبر من امها‏:‏يا امي احنا جنبك وعايشين معاكي انا واولادي عادل وجمال‏!‏
ترد الام بكبرياء‏:‏ انا يا بنتي موش عاوزة امد ايدي لغير الله‏!..‏
ووجدت نفسي دون شعور اقول‏:‏الله يا بنت زهران‏!‏

…………………….‏
‏…………………….‏

نترك دنشواي‏..‏ابراج الحمام في ظهورنا‏..‏لا احد يتكلم‏..‏لا احد يريد ان يتكلم‏..‏احساس غريب بالوحشة والوحدة والغربة يهزني من اعماقي كانني فارقت داري ووطني‏,‏ كانني فارقت امي‏..‏هذه السيدة العجوز الصلبة العود الصابرة المثابرة كانها مصر المرفوعة الراس والكيان‏..‏القادرة علي مواجهة محن الزمان وغدر الايام‏..‏الحانية علي ابنائها‏..‏ام الابطال والرجال العظام‏..‏
ان زهران لم يمت ورفاقه لم يرحلوا عنا‏..‏فانهم مازالوا في العيون وفي القلوب وفي الوجدان احياء يرزقون‏.‏

{{‏ ملحوظة من عندي‏:‏بعد ان كتبت ما شاهدته وما عشته في دنشواي بعد مائة عام من المأساة التي زلزلت ضمير العالم‏..‏وجدت ان ما كتبته قبل‏21‏ عاما منها تحت عنوان‏:‏في دنشواي وجدت الفتي زهران مازال حيا يرزق‏!‏
هو الاحق بالنشر‏..‏
وهو الاجدر بأن يقرأ‏..{‏

منقول2
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://WwW.EngAswaN.C0M
 
‏في دنشــــــــــــــــــــــــــــــواي قابلت زهــران‏!‏
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هتعمل ايه لو قابلت حبيبك القديم؟؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان :: مواضيع عامة :: البيــــــــــت بيتــــــــك-
انتقل الى: