osama jaber كبير مهندسين
عدد المساهمات : 472 تاريخ التسجيل : 02/11/2007 العمر : 37 رقم العضوية : 186 Upload Photos :
| موضوع: شاركوني العبير الأحد 1 فبراير - 1:53 | |
| هل سأمت قصص الفساد وصحف المعارضة ؟ هل شعرت يوما أنك تختنق من روائح المجاري البشرية ؟ وانتابك اليأس من أي إصلاح قريب أو بعيد ؟ هل قلت " مفيش فايدة " حارقة من قلبك ؟ هل يستفزك نهب أموال البنوك واستغلال السلطة وبيع ممتلكات الشعب بثمن بخس ؟ ، هل صرت تتقيأ إذا سمعت كلمة بنزنس لعلمك أنه لا يعني سوى استلاب حقوق البسطاء الذين يقضون رحلة الحياة دون أمل في حياة كريمة ؟ ومنتهى آمالهم قطعة لحم سوداني تستقبلها الوزيرة استقبال العظماء !.. هل كرهت سماع قصص الحب الفاشلة ؟ النصب والخداع والكذب الذي نتنفسه كالهواء بعد أن نجحت الحكومة في إفساد الشعب فصرنا في الفساد سواء . هل تتوق لنسمة هواء ؟ لرشفة من ماء زمزم ؟ لقلب شديد البياض ؟ لإنسان يستحق كلمة إنسان؟ إذا كنت تشتاق لهذا كله فإنني أدعوك كي تشاركني العبير . .............. هذه المرة سوف أحكي لك عن إنسان لم أقابله قط ، لكني عرفته من خلال السيرة الذاتية للكاتب الوطني المرحوم فتحي رضوان ، رجل فهم الدين على حقيقته ، لقاء مع الله بلا صخب ولا إعلان .. يقول فتحي رضوان : " أكبر أخوالي كان درويشا. تعلم في المدارس الابتدائية ثم احتاجت أمه إلي معونته حين انفصلت عن زوجها, فقطع تعليمه ، والتحق بوظيفة مهندس بالمساحة ، بعد أن أعد نفسه لذلك في المدارس التي كانت الحكومة تعدها لتخريج مهندسي المساحة ومساعديهم. واستطاع أخواه بفضل هذه التضحية أن يتما تعليمهما. فأصبح الأخ الذي يليه مباشرة مهندسا ، وارتقي في سلم الوظائف الفنية الحكومية إلى أعلاها ، واستطاع الثاني أن يحصل علي ليسانس الحقوق ويعمل محاميا ، وبقي خالي الأكبر وحده بينهما لا يحمل مؤهلا عاليا ، متحملا الآثار المادية والأدبية لهذه النقص وهي آثار فادحة. ولكن خالي لم يظهر عليه أنه يشعر بما بذله في سبيل أخوته من تضحية ، أو أنه يمن عليهما بالفضل الذي أسداه إليهما ، بل إنه لم يظهر عليه يوما أو ساعة من يوم أنه قد أسف علي حرمانه من التعليم الذي كان مؤهلا له بذكائه ومثابرته وانقطاعه عن لهو الدنيا ، ومضي إلي حياته المتواضعة التي فرضها حظه عليه ، سعيدا مرحا ، لا يكف عن مداعبة أولاد أخويه بأسلوب أصبح معروفا عنه ، فكل طفل عنده هو قط رومي أو قط بلدي ، وهو يقوم بتقبيل الصغار والكبار في جباههم ، ويضحك لفكاهات الجميع ومداعباتهم ، حتى لو كانت خالية من خفة الظل ولطف العبارة!!.. كان إذا فرغ من الحديث وتهيأ للخروج ، احتاج إلي وقت طويل لتنفيذ قراره ، فهو يخرج حتى يصل إلي الباب ، ثم يعود ثانية ، ليستأنف الحديث ، ثم يخرج ، ثم يضحك ، ثم يقوم بتقبيل محدثه في جبهته ثم يستأذن للخروج ، ثم يتذكر أحد الموتى ، فيقرأ الفاتحة . وقراءة الفاتحة علي الأموات، قريبين أو بعيدين ، معروفين لمن يتحدث معهم أو غير معروفين ، هي لازمة من لوازم أحاديثه ، تقع مرات متعددة في الجلسة الواحدة. وقد أصبحت هذه اللازمة مثار الضحك والمداعبة في العائلة ، فما يتحدث خالي إلي أحد منا حتى ندس في الحديث اسم أي شخص راحل ، ثم نقترح قراءة الفاتحة علي روحه فيبسط خالي كفيه إلي أعلي ، ويتلو الفاتحة بدون أن يسأل عن اسم الميت ، فطلب الرحمة عمل طيب ، ولا يهم من يكون المطلوب له. وقد بالغنا في المداعبة فكنا نقترح قراءة الفاتحة علي محمد علي باشا مؤسس العائلة المالكة السابقة فتقرأ الفاتحة فورا ، ثم علي المرحوم سلامة حجازي فتقرأ الفاتحة في الحال ، ثم ندس اسم جورج الخامس ملك بريطانيا ، فيهم خالي بقراءة الفاتحة ثم يكتشف النكتة فلا يغضب ولا يحتج ، بل يقوم بتقبيل جبهة محدثه الذي يعبث به وهو يقول: الله يجازي شيطانك.. تعرف أنني أحبك. وهكذا ، كان هذا هو الغلاف الخارجي لحياة خالي ، أما القسم الداخلي الذي يشبه قدس الأقداس في معابد الفراعنة ، فهو صلاته وتعبده وحبه لآل البيت ، وحرصه الدائم على زيارة مساجدهم : مسجد السيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الحسين. إنه حب عميق ، حقيقي ، خالص ، فيه كل سمات الغرام وخصائصه. ولم يكن عندي دليل أقوي علي صدق هذا الحب وخلوه من كل عيوب التظاهر والرياء ، من أن خالي لم يكن يتحدث عن هذا الحب لأحد ، فما كان يدعونا إلي تقليده ، ولا يحث أحدنا علي صلاة ، ولا ينهي آخر عن إهمال العبادة ، فلم يكن ينظر إلي نفسه كواعظ ، ولا علي أنه ناسك ، أو سائر في طريق يدعو الناس إلى اتباعه أو السير فيه ، فهو يجد في صلاته وتسابيحه وصومه راحة وسعادة ونشوة ، فيمضي فيها جميعا ، ولا يتحدث لأحد عن هذا السرور الرباني الذي يغمر قلبه ونفسه ، وكأنما الحديث عنه أشبه بإفشاء المحبين لأسرار ما يعيشون فيه من غرام! .,.................. ويواصل فتحي رضوان حديثه عن هذه الشخصية الإنسانية الجميلة فيقول: لعلي لم أجد متصوفا صادقا كما وجدت خالي ، فقد كان قليل الدخل ، ولكنه كان دائما نظيف الثياب ، جادا في عمله ، متفوقا فيه ، لم اسمع منه شكوى في شيء من دنياه: لا قلة المال ، ولا الحرمان من الترقي ، ولا قلقا في حياته العائلية. رأيته مرة واحدة تدمع عيناه ، وذلك يوم أن مرضت ابنته الصغرى بحمي التيفويد ولم يكررها . ويبلغ تصوفه اعلي مراتبه بانشغاله الدائم الموصول بمشكلات الناس ومتاعبهم ، فهو لا ينقطع عن السعي في قضاء مصالح الناس والتخفيف عنهم ، مع أنه رجل بلا نفوذ ولا صلات ، ولكنه علي قدر طاقته يفعل ولا يتأخر وكم من مرة زارني في مكتبي وأنا وزير لا يرجو لنفسه شيئا ولا لأولاده ، إذ كان كل رجائه مصروفا إلي خدمة الناس . ثم يصور لنا فتحي رضوان لقطة إنسانية مؤثرة جدا في حياة هذا الإنسان الطيب النبيل الذي يصفه لنا فيقول: ذات يوم جاءني ومعه خطاب صغير ، وقال لي إن بداخل المظروف ورقة تتضمن رجاء موجها لي ، ولكنه لا يحب أن أفض المظروف إلا بعد انصرافه. وبعد انصرافه فضضت الخطاب. فماذا وجدت؟ ورقة صغيرة مكتوبا عليها بخطه الذي لا يشبه كثيرا خط الآخرين.. يطلب فيها مني أن يدفن عندما يحين الأجل إلي جوار أبي ، ولا أحد سواه. واغرورقت عيناي بالدموع ، لا لأن هذا المطلب مس شغاف قلبي بعنف ، بل لأنني وجدت في هذا المطلب أكبر تزكية لأخلاق أبي وطيبته فقد كان خالي يخفي آراءه في الناس ، حسنة وسيئة ، لأنه لا يحب أن يشغله الناس عن دنياه الخاصة به. وبعد أيام قليلة جدا مات خالي ، في أول مرض يصاب به في حياته الطويلة ، فدفناه إلي جوار أبي ." . انتهى كلام فتحي رضوان . ............... والآن عزيزي القارئ ، هل بكيت مثلي وأنت تقرأ هذا المقال ! ، هل تطهرت بدمعة رطبة على خدك !! ، هل فرحت بهذا الرجل الطيب ؟ ، وحزنت في الوقت نفسه لذهابه ، وحزنت أكثر حينما فكرت أنه نموذج قارب على الانقراض ..إذا كنت شعرت بما شعرت به فلعلك توافقني أن تجليات الدين صارت اهتماما بالقشور وسبا للعلماء وتكفيرا المخالفين ..ولعلك توافقني أيضا أننا نحن بحاجة ماسة إلى وقفة جادة لإعادة ضبط المصطلحات : ما هو الدين ؟ ما معنى التدين ؟ كيف نتقرب إلى الله تعالى ؟ ، كلها أسئلة – على بساطتها – تحتاج أجوبة نستطيع استلهامها بسهولة من سيرة هذا الرجل العطر . شاركوني العبير ـ د.أيمن محمد الجندي
| |
|