أبي لا تحزن .....

أبي لا تحزن

المكان ... أطلال منزل بغزّة أوجعه القصف الإسرائيلي في كل جنبة من جنباته..

المشهد ... رجل في الأربعينيات من عمره يجلس بظهره مواجها للحائط وقدماه مضمومتان أمام وجهه ويبكي بدموع اقترب لونها للون الأحمر إثر الساعات المتواصلة التي قضاها في ذات المكان لا يفعل شيئا سوى إنتاج دموع أبدا لا تتوقف....

في نفس الوقت الذي استمر فيه الأب يبكي ظهر أطفاله الأربعة في جلابيب بيضاء وطواقٍ بيضاء يحدثونه ولا يسمعهم ويواسونه ولا يراهم...

يقول الطفل الأصغر من بين الإخوة الأربعة: أبي.. لماذا تبكي؟.. أنا بخير كما تراني.. انزاحت الدماء من على ملابسي وحصلت على أخرى جديدة.. حتى الجروح التي سعت فسادا في جسدي التأمت جميعها وأصبحْت سليما معافى.. لماذا لا تسمعني؟.. لماذا لا تجيبني؟..

يواصل الطفل الأصغر حديثه في إشارة لأخيه الأكبر: أتعرف يا أبي لقد جمعني طوال ليلة أمس شجار ضارٍ مع أخي.. لقد فقد عقله.. قضى ليلة بطولها يحدثني عن أمور من نوعية فراقك للأبد وصواريخ ومجنزرات ولم أفهم منه شيئا، فأنا ههنا الآن أمامك سليم معافى فلماذا لا تحدثني؟..
يستمر الأب في البكاء لا يسمعهما ولا ينظر إليهما فقط ينزف بكاءً

بينما يتناول الطفل الأكبر طرف الحديث من شقيقه ويقول: هل تعرف يا أبي أنا لست مثل أخي الأصغر أنا أفهم جيدا ماذا حدث.. لقد علمت بمصيرنا وارتضيت بقضاء الله الذي كتبه لنا.. ولكن هل تعرف أننا لم نُعَانِ كثيرا.. هل تتذكر الصاروخ الذي ضرب منزلنا أمس؟.. لقد شعرت به وكأنه وخزة بطرف إصبع أخي الصغير.. أرجوك يا أبي لا تَبْكِ.. لا تحزنْ.. نحن لم نتألمْ.. ولم نُعَانِ فكما ترى جروحُنا زالت وملابسُنا استبُدلِت بأخرى جديدة فلماذا دموعك؟
يقوم الأب محاولا إزالة آثار الدموع بطرف كمه، متجولا في المكان، متفقدا لآثار الدمار، يحاول جاهدا استحضار معالم ما كان بيته.. هنا كان يعدُّ وزوجته وأولاده الخبز.. وفي هذه الزاوية كان يطارد ابنه الأصغر عندما كانا يلعبان "الاستغماية"..

يسند الأب رأسه على الحائط ويستأنف البكاء قبل أن يتدخل أحد أبنائه الأربعة الواقفين ذوي الجلابيب البيضاء محاولا تهدئة أبيه المنهار الذي لا يسمعه أصلا ويقول: هل تعلم يا أبي أننا الآن نجد الخبز والسكر والسمن بسهولة شديدة وكل ما نفكر فيه يحضر قبل حتى أن نشتهيه والمياه أبدا لا تتوقف وليس كما كان يحدث الأيام الماضية نحن الآن أفضل حالا أبتاه.. فأرجوك لا داعي للبكاء.

مرة أخرى يعود الطفل الأصغر للحوار ويتحدث بصوته الرفيع ويشاور بكفه الضئيل: تشاجرنا ليلة أمس أيضا أنا وأخي الأكبر، استنفدت من جهدي ساعات كي أقنعه بأن ما حدث لنا سببه جيوش الاحتلال التي قصفت منزلنا وطائراته التي دكّت رؤوسنا وقنابله العنبية (يقصد العنقودية) التي ألهبت أغراضنا.. ولكنه مصمم..

في هذه اللحظة يتدخل الأخ مقاطعا ويقول: كم أنت ساذج، هل تعتقد أنه لهذا فقط نرقد هنا.. نحن كنا سنموت على أي حال جوعا أو عطشا أو رعبا.. كنا سنموت على أي حال من الخبز الذي لا نجده، والظلام الذي لم نعرف غيره، الصهاينة كانوا آخر من قتلنا وليس أولهم.
يرفع الأب رأسه من على الحائط ويدخل غرفة أطفاله الأربعة ويتناول قطعة خشبية كبيرة الحجم متفحمة تماما كانت في يوم من الأيام دولابا لابنه الأصغر

فيظهر بجواره أحد أطفاله ويقول: يا أبي كنت أسمع أمي كثيرا تقول إن لنا أقارب غير خالتي وعمتي وهم منتشرون في دول عربية مثل فلسطين.. فلماذا لم يمنعوا عنا صواريخ الصهاينة.. لماذا لم يحموا رءوسنا من ألسنة اللهب.. لماذا لم يكونوا موجودين حينما كنا محتاجين لهم..
يتناول الأب المجهشُّ بالبكاء من على الأرض لعبة تهشم نصفها وينظر لها بعين غارقة في شلالات من الدموع فكانت تلك لابنه الأوسط لطالما كان يقذفه بها.. لطالما كان يُحدِث ضجيجا عاليا من خلالها، والآن صمت ضجيجها للأبد...
يظهر ابنه الأكبر بنفس الجلباب الأبيض ناصع البياض ويقول: هل صحيح يا أبي أن أهلنا في الضفة الغربية وافقوا على موتنا.. هل صحيح يا أبي أنهم وافقوا على إبادتنا وآثروا الصمت وسيلة محايدة لرفع الحرج عن أنفسهم.. نعم هذا ما سمعته من أمي وهي تحدِّث خالتي في رام الله فكانت تقول لها: حسبي الله ونعم الوكيل في كل من تواطأ علينا ورضي بما يحدث لنا، حسبي الله ونعم الوكيل
يتحرك الأب خارجا من غرفة أولاده ومن المنزل كله ويستقرُّ به الحال أمام حطام البيت في الخارج، فينظر إليه نظرة وداع بينما ذراعاه معقودان فوق رأسه ليظهر مرة أخرى أولاده الأربعة بينما هو لا يراهم ولا يسمعهم ويلقون عليه بدورهم كلمة الوداع الأخيرة في صوت واحد:

اصعـدْ، فموطنك السّماءُ، وخلِّنا
في الأرضِ، إن الأرضَ للجبناءِ
للمُوثِقينَ على الّرباطِ رباطَنا
والصانعينَ النصرَ في صنعاءِ
مِمّن يرصّونَ الصُّكوكَ بزحفهم
ويناضلونَ برايةٍ بيضاءِ
ويُسافِحونَ قضيّةً من صُلبهم
ويُصافحونَ عداوةَ الأعداءِ
ويخلِّفون هزيمةً، لم يعترفْ
أحدٌ بها.. من كثرة الآباءِ!

الأشعار للشاعر الكبير/
"أحمد مطر"

منقول3

MISS_R كتب:: الأشعار للشاعر الكبير/
"أحمد مطر"

يااااااااااااااااااااااااااااااااه

أحمد مطر بيكتب الكلام ده

انا اعرف انه اشهر شاعر

سياسي ... ساخر هوه و

ايمان بكري & يوسف عبد الرحمن

بس انه يكتب بالشكل ده

و معلش سؤال :

مين كتب القصه ..؟

و هل هو متعمد يذكر حتة الضفه الغربيه

و علافتها بغزه ... ؟

عموما ...

أكيد ذوق أكثر من رائع

و اختيار أكثر من موفق

ابصم بالعشره

و بجد مستنين الجديد

lol!

قصة رائعة يابشمهندسة والشعر كمان رائع جدا جزاك الله كل خير
مِمّن يرصّونَ الصُّكوكَ بزحفهم
ويناضلونَ برايةٍ بيضاءِ
ويُسافِحونَ قضيّةً من صُلبهم
ويُصافحونَ عداوةَ الأعداءِ

eng_ghost كتب:: و معلش سؤال :
مين كتب القصه ..؟

و هل هو متعمد يذكر حتة الضفه الغربيه

و علافتها غزه ... ؟

عموما ...
أكيد ذوق أكثر من رائع

و اختيار أكثر من موفق

و بجد مستنين الجديد

بصراحة انا معرفش مين اللي كتب القصة انا قرأتها في أحد المنتديات وعجبتني وأحببت ان أشارككم بها
واذا كان متعمد انه يقصد الضفة الشرقية وعلاقتها بغزة ولا لأ فالله أعلم

جزيل الشكر لك بشمهندس إسماعيل علي مرورك العطر الذي يسعدني دائماً

shoot em up كتب:: قصة رائعة يابشمهندسة والشعر كمان رائع جدا جزاك الله كل خير
مِمّن يرصّونَ الصُّكوكَ بزحفهم
ويناضلونَ برايةٍ بيضاءِ
ويُسافِحونَ قضيّةً من صُلبهم
ويُصافحونَ عداوةَ الأعداءِ

شكراً لك يا بشمهندس علي المرور العطر والكريم

وجــزانا الله نحن وإياكم كل الخير

طبعا موضوع رائع كالعادة يا بشمهندسة

أبي لا تحزن ..... 2696

» لا تحزن
» أشياء تحزن القلب
» لا تحزن ايها القلب
» فلا تحزن ياقلبي !!!
» لا تحزن ياقلبي