نحن والهنود
د.محمد منير مجاهد
وصلت إلي الهند في مهمة عمل، والهند من البلدان القليلة التي يشعر فيها المصري بإحساس السويسري، الذي يأتي إلي القاهر،ة فمستوي الفقر شديد ويصدم العين. لم تكن هذه هي زيارتي الأولي للهند، فقد زرتها عدة مرات من قبل. ما يميز الهند أنها في كل زيارة يحس الزائر بتحسن ملموس في أحوال معيشة الهنود. وفي شوارعها تجري كل أنواع المركبات من الدراجات والموتوسيكلات و"الواكشا الآلية" التي أطلق عليها المصريون اسم " التوك توك" إلي أحدث أنواع السيارات من جميع الماركات العالمية.لكن السمة المشتركة لكل هذه المركبات هو أنها "صناعة هندية" وليست «تجميع»، فالمرسيدس تصنع في الهند بترخيص من الشركة الأم، يتضمن نقل التكنولوجيا بحيث تصنع الهند كل مكونات السيارة ثم تقوم بتجميعها.
صادفت هذه الزيارة احتفال الهند بالعيد المئوي لميلاد " هومي بهابها "، وهو الرجل الذي أسس البرنامج النووي الهندي، وهو ليس برنامجا عسكريا فقط، كما هو شائع في بلادنا، فالهند تقوم الآن بتصميم وتصنيع وتركيب وإنشاء وتشغيل وصيانة مفاعلات نووية تعمل بالماء الثقيل المضغوط رغم الحصار المفروض عليها منذ عام 1974، إضافة إلي هذا فقد أنشأت الهند مفاعلات تجريبية من النوع المسمي " المفاعلات المنجبة السريعة " ذلك لأنها "تنجب" وقودا نوويا باستخدام النيوترونات "السريعة" وهو من التكنولوجيات المتقدمة التي تعرفها بلدان تعد علي أصابع اليد الواحدة، كما وصلت الهند إلي درجة متقدمة في أبحاثها باستخدام مادة الثوريوم بدلا من اليورانيوم كوقود للمفاعلات النووية وهي أبحاث رائدة علي مستوي العالم .
كان الشعار الذي أطلقه "بهابها" هو أن الطاقة النووية ليست فقط أداة مهمة في تنمية البلاد، ولكنها ضرورة للتنمية والتقدم وما كان يمكن له أن يحقق أي شيء لو لم تكن الهند تسير وفق شعار يمثل الهدف العام الذي صاغه "جواهر لال نهرو" في "الديمقراطية والصناعة والبحث العلمي" .
في الخمسينيات والستينيات كانت مصر والهند، وثيقتي الصلة ليس فقط في السياسة الدولية بحكم أنهما مع يوغسلافيا قد أسسوا حركة عدم الانحياز، لكن التعاون امتد إلي ثلاثة مجالات استراتيجية هي الطاقة الذرية، وصناعة الطائرات، وبحوث الفضاء، وقد توقفت مصر واستمرت الهند وأنجزت نتائج هامة في كل مجال من هذه المجالات، وتوقفت مصر ولازالت تراوح في مكانها منذ هزيمة يونيه 1967 بسببها ولأسباب أخري تعود كلهاـ بما في ذلك الهزيمة- إلي غياب الديمقراطية في التجربة المصرية.
الديمقراطية توفر المناخ والبيئة التي تمكن أمثال "هومي بهابها" من تنفيذ أفكارهم العظيمة وهي التي تحفظ البلد من الانقسام والتناحر الداخلي.
الهند التي تضم مليار إنسان ينتمون إلي عشرات القوميات والأديان ويتحدثون بعشرات اللغات نجحت لأن كل مواطن هناك له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات ويمكن لأي مواطن أن يكون رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية أيا كان دينه أو عرقه أو قوميته أو جنسه فالمعيار الوحيد هو الكفاءة التي تعضدها ثقة الناخبين، ونحن أيضا نستطيع أن نحقق ما حققوه، إذا ما اقتفينا آثارهم، فلسنا في حاجة إلي إعادة اختراع العجلة