خطأ الفأر الاسـتراتيجي المتكرر
د. أحمد يونس
القط، هل يمكن أن يسلم طواعيةً مفـتاح الكرار؟ متى حدث شـيء كهذا أو أين؟ لا يكون قطاً لو تصرف هكذا. تلك هي الكذبة الكبرى التي ـإذا صدقهـا الفـأرـ يدفع حياته في كـل مرةٍ ثمناً لهذا الخطأ الاسـتراتيجي المتكرر. يموت مأكولاً بين أنياب القط الذي يجد في مضغه ببطــء لذةً تصيبه بما يشبه الجنون. لذةً تتوارثها أجيال القطط الواحد تلو الآخر بلا أي حــذف أو إضافةٍ أو تعديل.
وعلى حد علمي الذي يزداد تواضعاً مع الأيام،فإن مـن يروج لنكتة ـبهذه الغـتاتةـ هو بالتأكيد من الذين أفنوا العمـر فــي تربية الكتاكيت أو الأرانب، لا القطـط. هو بالتأكيد من النوع الذي يستمد ثقافته عن صراعات الوجود من كثرة ما جلس على السطح أو في الشرفة أمام غـية الحمام. أو أن مظهر القط اللولوه البريء ـالذي تقتنيه بعـض الســيدات لحكمةٍ ماـ قد نجح بغرابة شديدة في خداعه. أو لعل الدافع هو التحسب الانتهازي ليـوم يثور فيه أصـحـاب الكرار، فيكون عليه ساعتهـا أن يسدد جانباً من الفاتورة .
وقد قال شاعـر أمريكة اللاتينية الجميل بابلو نيرودا في إحدى قصائده أن "القط نمر صالونات." أنا ـمن ناحيتيـ أصــدق بابلو نيرودا، ولا يوجد لدي ما يجعلني أنظر بعين الشك إلى ما أجمع عليه علماء التاريخ البيولوجي. الـقــط بطبيعة تكوينه يلعق أقدام من يمنحونه شرعية التمرغ على السجاجيد الشينواه الأكــثر تكلفةً من إنشاء مستوصــف كامل التجهيز، أو الـنــوم فوق المــلاءات المخــملية المطــرزة بخيوط الذهب الأغلى من تأسيس ثلاث حضانات. لكنه إذا استشعر الضعـف في شــخص ما، فإن تلك المخـالب المتوحـشة لن تلبث أن تنغرس في حــبابي عــينيه. النمر الذي بداخله ربما فقـد القوة من طول ما تعود على الإهانات. أما الشراسة القديمة، فما تزال تحت الوبر الناعم ـأو الفرو الحــريريـ تنتظر الضحايا الذين لا يتمتعون بسلطة تعيينه في منصــب مرموق، أو إطــلاق يده على محتويات الكرار التي ساهم هو بنصيب النمر في سرقتها.
هل سمع أحـد من قــبل بأن قطاً قرر أن يتقيد فــي علاقته مع الجرذان بالديمقراطية أو مواد الدستور؟ أو بأنه تراجع عن نظامه الغذائي المعتاد، مستعيضاً عن دم الفأر بكــورس مكثف من حقن فيتامين بي كومبليكس؟ هل سمع أحـد من قــبل بأن قطاً تنازل عن نسبة من مخصصاته السرية، ليرسل أبـناء الفئران إلى بعثةٍ دراسيةٍ في الخارج، بحيث يرجعون من هناك، وقد تعلموا تخطيط الحدائق أو النوافير أو المكتبات العامة أو بنـاء المساكن الشعبية ـبدلاً من الجحور أو الإقامة مع الموتى في المقابرـ أو طـب الأطــفال أو مناقشة الميزانية أو العزف على الكمان أو مناهضة التعذيب؟ القط لا يكون مستأنساً إلا مع الذين يضعون له الكورن فليكس فــي اللبن. إلا مع الذين يختارون له لون الفيونكــة.
بالطبع أعرف أن البعض من ذوي المشاعر المرهفة سيفترسونني لوماً، خصوصاً هؤلاء الذين لا ينشطون إلا ضمن جمعيات الرفق بالحيوان،على أساس أنني لا أتعاطف كثيراً مع القطط ذات الأصول الشيرازية أو الكلاب الكانيش أو العصافير السنغــافورية أو أسمــاك الزينة. أنا في الحقيقة لا أكره هذه الكائنات أو أحقد عليها. ليس فــي غياب الحرية ما يبعث على الحسد. غاية ما هناك أن الإنسان لم يترك في قلبي مكاناً لسواه.
هلوسة آخر الليل
الدستور الأربعاء 24 أكتوبر 2007
__._,_.___