ENG_GODZELA مشرف مرشح لمنصب مشرف عام
عدد المساهمات : 3368 تاريخ التسجيل : 25/07/2007 العمر : 39 الموقع : كلية الهندسة _قسم الهندسة المدنية رقم العضوية : 31 Upload Photos :
| موضوع: مفهوم الجهاد في ظلال القرآن الأربعاء 24 أكتوبر - 0:34 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : ويقول كذلك : إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام على هذا النحو ، واعتباره نظاماً محلياً في وطن بعينه فمن حقه فقط أن يدفع الهجوم عليه في داخل حدوده الإقليمية ! هذا تصور .. وذاك تصور .. ولو أن الإسلام في كلتا الحالتين سيجاهد .. ولكن التصور الكلي لبواعث هذا الجهاد وأهدافه ونتائجه ، يختلف اختلافاً بعيداً ، يدخل في صميم الاعتقاد كما يدخل في صميم الخطة والاتجاه . إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء . فالإسلام ليس نحلة قوم ، ولا نظام وطن ، ولكنه منهج إله ، ونظام عالم .. ومن حقه أن يتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تغل من حرية " الإنسان " في الاختيار . وحسبه أنه لا يهاجم الأفراد ليكرههم على اعتناق عقيدته ، إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة ، المفسدة للفطرة ، المقيدة لحرية الاختيار . من حق الإسلام أن يُخرج " الناس "من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .. ليحقق إعلانه العام بربوبية الله للعالمين ، وتحرير الناس أجمعين .. وعبادة الله وحده لا تتحقق - في التصور الإسلامي وفي الواقع العملي - إلا في ظل النظام الإسلامي ، فهو وحده النظام الذي يشرع الله فيه للعباد كلهم ، حاكمهم ومحكومهم ، أسودهم وأبيضهم ، قاصيهم ودانيهم ، فقيرهم وغنيهم ، تشريعاً واحداً يخضع له الجميع على السواء .. أما في سائر الأنظمة ، فيعبد الناس العباد ، لأنهم يتلقون التشريع لحياتهم من العباد . وهو من خصائص الألوهية ، فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه ، فقد ادّعى الألوهية اختصاصاً وعملاً ، سواء ادَّعاها قولاً أم لم يعلن هذا الادعاء . وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية ، سواء سماها باسمها أم لم يسمها ! والإسلام ليس مجرد عقيدة ، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان . إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس ، والتجمعات الأخرى لا تمكِّنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو ، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام ، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله ، فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته . كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقم على عبودية العباد للعباد ! إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر وتحت الهجوم الاستشراقي الماكر ، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة ، لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة . والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست هي الحقيقة ، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمعة الإسلام ، بنفي هذا الاتهام ، فيلجؤون إلى تلمس المبررات الدفاعية ! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته ، وحقه في " تحرير الإنسان " ابتداء . وقد غشى على أفكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة " الدين " .. وإنه مجرد " عقيدة " في الضمير ، لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة . ومن ثم يكون الجهاد للدين ، جهاداً لفرض العقيدة على الضمير ! ولكن الأمر ليس كذلك في الإسلام ، فالإسلام منهج الله للحياة البشرية ، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وينظم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية ! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام . أما العقيدة فأمر موكول إلى حرية الاقتناع ، في ظل النظام العام ، بعد رفع جميع المؤثرات .. ومن ثم يختلف الأمر من أساسه ، وتصبح له صورة جديدة كاملة وحيثما وجد التجمع الإسلامي ، الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي ، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام ، مع ترك مسألة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان ، فإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد ، فهذه مسألة خطة لا مسألة مبدأ ، مسألة مقتضيات الحركة لا مسألة عقيدة .. وعلى هذا الأساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة ، في المراحل التاريخية المتجددة ، ولا نخلط بين دلالتها المرحلية ، والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل . ******** ويقول عند قوله تعالى : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (33) سورة التوبة إن أهل الكتاب هؤلاء لا يقفون عند حد الانحراف عن دين الحق , وعبادة أرباب من دون اللّه . وعدم الإيمان باللّه واليوم الآخر - وفق المفهوم الصحيح للإيمان باللّه واليوم الآخر - إنما هم كذلك يعلنون الحرب على دين الحق ; ويريدون إطفاء نور اللّه في الأرض المتمثل في هذا الدين , وفي الدعوة التي تنطلق به في الأرض , وفي المنهج الذي يصوغ على وفقه حياة البشر . . (يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم) . . فهم محاربون لنور اللّه . سواء بما يطلقونه من أكاذيب ودسائس وفتن ; أو بما يحرضون به أتباعهم وأشياعهم على حرب هذا الدين وأهله , والوقوف سداً في وجهه - كما كان هو الواقع الذي تواجهه هذه النصوص وكما هو الواقع على مدار التاريخ . وهذا التقرير - وإن كان يراد به استجاشة قلوب المسلمين إذ ذاك - هو كذلك يصور طبيعة الموقف الدائم لأهل الكتاب من نور اللّه المتمثل في دينه الحق الذي يهدي الناس بنور اللّه . (ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . . وهو الوعد الحق من اللّه , الدال على سنته التي لا تتبدل , في إتمام نوره بإظهار دينه ولو كره الكافرون . . وهو وعد تطمئن له قلوب الذين آمنوا ; فيدفعهم هذا إلى المضي في الطريق على المشقة واللأواء في الطريق ; وعلى الكيد والحرب من الكافرين [ والمراد بهم هنا هم أهل الكتاب السابق ذكرهم ] . . كما أنه يتضمن في ثناياه الوعيد لهؤلاء الكافرين وأمثالهم على مدار الزمان ! ويزيد السياق هذا الوعيد وذلك الوعد توكيداً: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . . وفي هذا النص يتبين أن المراد بدين الحق الذي سبق في قوله تعالىقاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) . . هو هذا الدين الذي أرسل اللّه به رسوله الأخير . وأن الذين لا يدينون بهذا الدين هم الذين يشملهم الأمر بالقتال . . وهذا صحيح على أي وجه أوّلنا الآية . فالمقصود إجمالاً بدين الحق هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع - وهذه هي قاعدة دين اللّه كله , وهو الدين الممثل أخيراً فيما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فأيما شخص أو قوم لم يدينوا للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع مجتمعة ; انطبق عليهم أنهم لا يدينون دين الحق , ودخلوا في مدلول آية القتال . . مع مراعاة طبيعة المنهج الحركي للإسلام , ومراحله المتعددة , ووسائله المتجددة كما قلنا مراراً . (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . . وهذا توكيد لوعد اللّه الأول: (ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . . ولكن في صورة أكثر تحديداً . فنور اللّه الذي قرر سبحانه أن يتمه , هو دين الحق الذي أرسل به رسوله ليظهره على الدين كله . ودين الحق - كما أسلفنا - هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والعبادة والتشريع مجتمعة . وهو متمثل في كل دين سماوي جاء به رسول من قبل . . ولا يدخل فيه طبعاً تلك الديانات المحرفة المشوبة بالوثنيات في الاعتقاد التي عليها اليهود والنصارى اليوم . كما لا تدخل فيه الأنظمة والأوضاع التي ترفع لافتة الدين , وهي تقيم في الأرض أرباباً يعبدها الناس من دون اللّه , في صورة الاتباع للشرائع التي لم ينزلها اللّه . واللّه سبحانه يقول:إنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . . ويجب أن نفهم "الدين" بمدلوله الواسع الذي بيناه , لندرك أبعاد هذا الوعد الإلهي ومداه . . إن "الدين" هو "الدينونة " . . فيدخل فيه كل منهج وكل مذهب وكل نظام يدين الناس له بالطاعة والاتباع والولاء . . واللّه سبحانه يعلن قضاءه بظهور دين الحق الذي أرسل به رسوله على "الدين" كله بهذا المدلول الشامل العام ! إن الدينونة ستكون للّه وحده . والظهور سيكون للمنهج الذي تتمثل فيه الدينونة للّه وحده . ولقد تحقق هذا مرة على يد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان . وكان دين الحق أظهر وأغلب ; وكانت الأديان التي لا تخلص فيها الدينونة للّه تخاف وترجف ! ثم تخلى أصحاب دين الحق عنه ; خطوة فخطوة بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية وبفعل الحرب الطويلة المدى , المنوعة الأساليب , التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء . . ولكن هذه ليست نهاية المطاف . . إن وعد اللّه قائم , ينتظر العصبة المسلمة , التي تحمل الراية وتمضي , مبتدئة من نقطة البدء , التي بدأت منها خطوات رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو يحمل دين الحق ويتحرك بنور اللّه . . ************ * قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (35) سورة المائدة | |
|